اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 469
1541- وما هلك الهالكون إلا لقلة الصبر عن المشتهى، وربما كان فيهم من لا يؤمن بالبعث والعقاب. وليس العجب من ذاك؛ إنما العجب من مؤمن يوقن، ولا ينفعه يقينه! ويعقل العواقب، ولا ينفعه عقله!
352- فصل: من رزق همة عالية يعذَّب بمقدار علوها
1542- من رزق همة عالية، يعذب بمقدار علوها! كما قال الشاعر1:
وإذا كانت النفوس كبارًا ... تعبت في مرادها الأجسامُ
وقال الآخر2:
ولكل جسم في النحول بلية ... وبلاء جسمي من تفاوت همتي
وبيان هذا أن من علت همته؛ طلب العلوم كلها، ولم يتقصر على بعضها، وطلب من كل علم نهايته، وهذا لا يحتمله البدن.
1543- ثم يرى أن المراد العمل، فيجتهد في قيام الليل، وصيام النهار، والجمع بين ذلك وبين العلم صعب، ثم يرى ترك الدنيا، ويحتاج إلى ما لا بد منه، ويحب الإيثار، ولا يقدر على البخل، ويتقاضاه الكرم البذل، ويمنعه عز النفس عن الكسب؛ فإن هو جرى على طبعه من الكرم، احتاج وافتقر، وتأثر بدنه وعائلته، وإن أمسك، فطبعه يأبى ذلك.
وفي الجملة، يحتاج إلى معاناة، وجمع بين أضداد؛ فهو أبدًا في نصب لا ينقضي، وتعب لا يفرغ، ثم إذا حقق الإخلاص في الأعمال، زاد تعبه، وقوي وصبة[3].
1544- فأين هو، ومن دنت همته؟! إن كان فقيهًا، فسئل عن حديث، قال: ما أعرفه! وإن كان محدثًا، فسئل عن مسألة فقهية، قال: ما أدري! ولا يبالي إن قيل عنه: مقصر!!
1 هو المتنبي، ديوانه ص "249".
2 نسبه المؤلف للرضي في الفصل "170" ولم أجد البيت في ديوانه. [3] الوصب: المرض والتعب.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 469