اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 461
يمتارون[1]، قال: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ} [يوسف: 59] ، فلو فطنوا، علموا أن ملك مصر لا غرض له في أخيهم، ثم حبسه بحجة، ثم قال: هذا الصواع يخبرني أنه كان كذا وكذا! هذا كله وما يفطنون. فلما أحس بهذه الأشياء يعقوب عليه السلام، قال: {اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ} [يوسف: 87] ، وكان يوسف عليه السلام قد نهي بالوحي أن يعلم أباه بوجوده، ولهذا، لما التقيا، قال له: هلا كتبت إلي! فقال: إن جبريل عليه السلام منعني. فلما نهي أن يعرفه خبره، ليفذ البلاء، كان ما فعل بأخيه تنبيهًا؛ فصار كأنه يعرض بخطبة المعتدة. وعلى فهم يوسف -والله- بكى يعقوب، لا على مجرد صورته. [1] يمتارون: يجلبون الميرة وهي الطعام.
344- فصل: من رزق اليقظة ينبغي أن يصابر لنيل الفضائل
1510- الآدمي موضوع على مطلوبات تشتت الهم، العين تطلب المنظور، واللسان يطلب الكلام، والبطن يطلب المأكول، والفرج المنكوح، والطبع يحب جمع المال. وقد أمرنا بجمع الهم لذكر الآخرة والهوى يشتته، فكيف إذا اجتمعت إليه حاجات لازمة من طلب قوت البدن، وقوت العيال؟!
1511- وهذا يبكر إلى دكانه، ويتفكر في التحصيل، ويستعمل آلة الفهم في نيل ما لا بد منه، فأي هم يجتمع منه؟! خصوصًا إن أخذه الشره في صورة، فيمضي العمر، فينهض من الدكان إلى القبر، فكيف يحصل العلم أو العمل أو إخلاص القصد أو طلب الفضائل؟!
1512- فمن رزق يقظة؛ فينبغي أن يصابر لنيل الفضائل: فإن كان متزهدًا بغير عائلة، اكتفى بسعي قليل، فقد كان السبتي[1] يعمل يوم السبت فيكتفي به طول الأسبوع؛ فإن كان له مال، باضع[2] به من يكفيه بدينه وثقته من أن يهتم هو، وإن كان له عائلة، جمع همه في نية الكسب عليهم، فيكون متعبدًا، أو أن يكون [له] قنية [1] أحمد بن هارون الرشيد، توفي سنة "184هـ". [2] باضع: ضارب.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 461