اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 445
"ثلث طعام، وثلث شراب، وثلث نفس". وقد قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو مريض: "أصب من هذا الطعام، فهو أوفق لك من هذا".
وكان صلى الله عليه وسلم يشاور الأطباء، ويحتجم، ويحث على التداوي، ويقول: "ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء، فتداووا".
1450- فجاء أقوام جهلوا العلم والحكمة في بنيان الأبدان، فمنهم: من أقام في الجبال يأكل البلوط[1]، فأصابه القولنج[2]، ومنهم: من كان لا يتقوت[3] إلا الباقلاء[4] والشعير: فأوجبت هذه الأفعال أمراضًا في البدن، وترقت إلى إفساد العقل.
وأتفق لهم قلة العلم؛ إذ لو عملوا لفهموا أن الحكمة تنهى عن مثل هذا؛ فإن البدن مبني على أخلاط، إذا اعتدلت وافقت السلامة، وإذا زاد بعضها وقع المرض وأكثر هؤلاء مرضوا، وتعجل لهم الموت، وفيهم من خرج إلى التسودن[5]، وفيهم من لاحت له لوائح، فادعى رؤية الملائكة.. إلى غير ذلك.
1451- فأما أهل العلم والعقل، فهربهم من الخلق لخوف المعاصي، ورؤية المنكر، وفيهم من قويت معرفته، فشغلته معرفة الحق ومحبته عن ملاقاة الخلق.
فهذه هي الخلوات الصافية؛ لأنها تصدر عن علم وعقل، فتحفظ البدن؛ لأنه ناقة توصيل.
1452- ولا ينبغي أن يتهاون بالمأكولات، خصوصًا من لم يعتد التقشف، ولا يلبس الصوف على البدن من لم يعتده، ولينظر في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم [1] البلوط: شجر حراجي غليظ الساق، متين الخشب، ثمرته تشبه الكستناء. [2] القولنج: المغص. [3] في الأصل: يقوت، وهو تصحيف. [4] الباقلاء: الفول عند أهل بغداد. [5] غلبت عليه السوداء، وهي اضطرابات مصحوبة بالحزن العميق والتشاؤم العام، وما زال هذا الحرف مستعملًا في بلاد الشام.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 445