اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 421
يعارض فيه، فكان كما قال، وذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِه وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة] ، وكذلك قوله: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ، وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة] ، فما تمناه أحد، إذ لو قال قائل: قد تمنيته، لبطلت دعواه.
وكان يقول ليلة غزاة بدر: "غدًا مصرع فلان هاهنا"، فلا يتعداه[1]. وقال: "إذا هلك كسرى، فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر، فلا قيصر بعده" [2]، فما ملك بعدهما من له كبير قدر، ولا من استتب له حال.
ومن أعظم دليل على صدقه أنه لم يرد الدنيا، فكان يبيت جائعًا[3]، ويؤثر إذا وجد، ويلبس الصوف[4]، ويقوم الليل[5]؛ وإنما تطلب النواميس لاجتلاب الشهوات، فلما لم يردها، دل على أنه يدل على الآخرة التي هي حق.
ثم لم يزل دينه يعلو حتى عم الدنيا، وإن كان الكفر في زوايا الأرض؛ إلا أنه مخذول.
1372- وصار في تابعيه من أمته الفقهاء، الذين لو سمع كلامهم الأنبياء القدماء، تحيروا في حسن استخراجهم، والزهاد الذين لو رآهم الرهبان، تحيروا في صدق زهدهم، والفطناء الذين لا نظير لهم في القدماء.
1373- أوليس قوم موسى يعبدون بقرة، ويتوقفون في ذبح بقرة، ويعبرون البحر، ثم يقولون: اجعل لنا إلهًا؟! وقوم عيسى يدخرون من المائدة، وقد نهوا؟! والمعتدون في السبت يعصون الله لأجل الحيتان؟! وأمتنا بحمد الله تعالى سليمة من [1] رواه مسلم "1779" عن أنس رضي الله عنه. [2] رواه البخاري "3121"، ومسلم "2919"
عن جابر بن سمره رضي الله عنه. [3] رواه مسلم "2978" عن النعمان بن بشير رضي الله عنه. [4] رواه البخاري "5799"، ومسلم "274" عن المغيرة رضي الله عنه. [5] رواه البخاري "183 و 117"، ومسلم "763" عن ابن عباس رضي الله عنه.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 421