اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 406
لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئًا، وكأني على جمر الغضا[1] من بعضها، فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي قلبها.
قلت له: فهذا عمل الرجال! وأي شيء ينفع ضجيج المبتلى بالتضجر بإظهار البغض؟! وإنما طريقه ما ذكرته لك، من التوبة، والصبر، وسؤال الفرج.
وتذكر ذنوبًا كانت هذه عقوبتها؛ فإن وقع فرج في الحساب؛ وإلا فاستعمال الصبر على القضاء عبادة. وتكلف إظهار المودة لها، وإن لم تكن في قلبك تثبت على هذا، وليس للقيد ذنب فيلام، إنما ينبغي التشاغل مع من قيده، والسلام. [1] الغضا: شجر يوقد به، فيبقى جمره زمنًا طويلًا.
298- فصل: من أراد اجتماع همه فعليه بالعزلة
1331- لا ريب أن القلب المؤمن بالإله سبحانه وبأوامره يحتاج إلى الانعكاف على ذكره وطاعته وامتثال أوامره، وهذا يفتقر إلى جمع الهم، وكفى بما وضع في الطبع من المنازعة إلى الشهوات مشتتًا للهم المجتمع.
فينبغي للإنسان أن يجتهد في جمع همه، لينفرد قلبه[1] بذكر الله سبحانه وتعالى، وإنفاذ أوامره، والتهيؤ للقائه، وذلك إنما يحصل بقطع القواطع، والامتناع عن الشواغل، وما يمكن قطع القواطع جملة، فينبغي أن يقطع ما يمكن منها.
1332- وما رأيت مشتتًا للهم، مبددًا للقلب مثل شيئين:
أحدهما: أن تطاع النفس في طلب كل شيء تشتهيه، وذلك لا يوقف على حد فيه، فيذهب الدين والدنيا، ولا ينال كل المراد، مثل أن تكون الهمة في المستحسنات، أو في جمع المال، أو في طلب الرئاسة، وما يشبه هذه الأشياء.
فيا له من شتات لا جامع له! يذهب العمر، ولا ينال بعض المراد منه.
والثاني: مخالطة الناس -خصوصًا العوام- والمشي في الأسواق، فإن الطبع [1] في الأصل: همه.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 406