اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 36
هذا الأوان، لم يقدر متدين على شيءٍ إلا ببذل شيء من دينه، وليته قدر، فربما تلف الدين، ولم يحصل له شيء.
44- فالواجب على العاقل أن يحفظ ما معه، وأن يجتهد في الكسب ليربح مداراة ظالم أو مداهنة جاهل، ولا يلتفت إلى ترهات المتصوفة، الذين يدعون في الفقر ما يدعون، فما الفقر إلا مرض العجزة، وللصابر على الفقر ثواب الصابر على المرض، اللهم! إلا أن يكون جبانًا عن التصرف، مقتنعًا بالكفاف؛ فليس ذلك من مراتب الأبطال، بل هو من مقامات الجبناء الزهاد.
وأما الكاسب[1] ليكون المعْطِيَ لا المُعْطَى، والمتصدق لا المتصدق عليه، فهي من مراتب الشجعان الفضلاء، ومن تأمل هذا، علم شرف الغنى، ومخاطرة الفقر. [1] في الأصل: المكاسب، وهو تصحيف.
16- فصل: حظوظ الفضلاء من الدنيا
45- تأملت أحوال الفضلاء، فوجدتهم في الأغلب قد بخسوا من حظوظ الدنيا، ورأيت الدنيا غالبًا في أيدي أهل النقائص.
46- فنظرت في الفضلاء، فإذا هم يتأسفون على ما فاتهم مما ناله أولو النقص، وربما تقطع بعضهم أسفًا على ذلك، فخاطبت بعض المتأسفين، فقلت له: ويحك! تدبر أمرك، فإنك غالط من وجوه:
أحدها: أنه إن كانت لك همة في طلب الدنيا، فاجتهد في طلبها، تربح التأسف على فوتها، فإن قعودك متأسفًا على ما ناله غيرك -مع قصور اجتهادك- غاية العجز.
والثاني: أن الدنيا إنما تراد لتعبر لا لتعمر، وهذا هو الذي يدلك عليه علمك، ويبلغه فهمك، وما يناله أهل النقص من فضولها[1] يؤذي أبدانهم وأديانهم، فإذا عرفت ذلك، ثم تأسفت على فقد ما فقده أصلح لك، كان تأسفك عقوبة لتأسفك [1] فضول الدنيا: حظوظها ونعيمها.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 36