اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 338
ولقد صدقوا فيما يتعلق بالشاهد، فأما من أفعاله لا تعلل، ولا يقاس بشاهد؛ فإنا لا نصل إلى معرفة حكمته.
1102- فإن قال قائل: فكيف يمكنني أن أقود عقلي إلى ما ينافيه؟ قلنا: لا منافاة؛ لأن العقل قد قطع بالدليل الجلي أنه حكيم، وأنه مالك، والحكيم لا يفعل شيئًا إلا لحكمة، غير أن تلك الحكمة لا يبلغها العقل. ألا ترى أن الخضر عليه السلام خرق سفينة، وقتل شخصًا، فأنكر عليه موسى عليه السلام بحكم العلم، ولم يطلع على حكمه فعله، فلما أظهر له الحكمة، أذعن؟ ولله المثل الأعلى.
1103- فإياك إياك أن تقيس شيئًا من أفعاله على أفعال الخلق، أو شيئًا من صفاته، أو ذاته سبحانه وتعالى، فإنك إن حفظت هذا، سلمت من التشبيه الذي وقع فيه من رأى الاستواء اعتمادًا، والنزول نقلة، ونجوت من الاعتراض، الذي أخرج قومًا إلى الكفر، حتى طعنوا في الحكمة.
1104- وأول القوم[1] إبليس، فإنه رأى تقديم الطين على النار ليس بحكمة، فنسي أنه إنما علم ذلك -بزعمه- بالفهم الذي وهب له، والعقل الذي منحه، فنسي أن الواهب أعلم: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15] !
1105- ولقد رأيت لابن الرومي[2] اعتراضًا على من يقول بتخليد الكفار في النار، قال: إن ذلك التأبيد مزيد من الانتقام، ينكره العقل، وينبغي أن يقبل كل ما يقوله العقل، ولا يرد بعضه، إذ ليس رد بعضه بأولى من رد الكل، وتخليط الكفار لا غرض فيه للمعذب ولا للمعذب، فلا يجوز أن يكون.
فقلت: العجب من هذا الذي يدعي وجود العقل، ولا عقل عنده! وأول ما أقول له: أصح عندك الخبر عن الخالق سبحانه أنه أخبر بخلود أهل النار، أم لم يصح؟ فإن كان [ما] صح عنده، فالكلام إذن في إثبات النبوة، وصحة القرآن، فما وجه ذكرك الفرع مع جحد الأصل؟! [1] اعتراضًا. [2] كذا في الأصل وبعيد أن يكون قد أراد الشاعر المشهور بالحسن علي بن العباس "221-282هـ".
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 338