اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 250
772- وهذا أمر شديد الخفاء، فينبغي أن يوضح: وهو أن المملوك مملول، ومتى قدر الإنسان على ما يشتهيه، مله ومال إلى غيره: تارة لبيان عيوبه، التي تكشفها المخالطة؛ فإنه قد قال الحكماء: العشق يعمي من عيوب المحبوب. وتارة لمكان القدرة عليه، والنفس لا تزال تتطلع إلى ما لا تقدر عليه.
773- ثم لو قدرنا دوام المحبة مع القدرة؛ فإنها قد تكون، ولكن ناقصة بمقدار، وإنما يقويها تجني المحبوب، فيكون تجنيه كالامتناع، أو امتناعه من الموافقة. فإذا صفا، فلا بد من أكدار: منها الحذر عليه، ومنها قلة ميله إلى هذا العاشق، وربما يتكلف القرب منه، ويعلم الإنسان بقلة ميل محبوبه إليه، فينغص[1]، بل يبغض. فإن خاف منه خيانة، احتاج إلى حراسة، فقويت النغص.
774- وأصلح المقامات التوسط، وهو اختيار ما تميل النفس إليه، ولا يرتقي إلى مقام العشق، فإن العاشق في عذاب، وإنما يتخايل[2] الفارغ من العشق التذاذ العاشق، وليس كذلك، فإنه كما قيل:
وما في الأرض أشقى من محبٍّ ... وإن وجد الهوى عذب المذاقِ
تراه باكيًا في كل وقتٍ ... مخافة فرقة أو لاشتياقِ
فيبكي إن نأوا شوقًا إليهم ... ويبكي إن دنوا خوف الفراقِ
فتسخن عينه عند التدانِي ... وتسخن عينه عند الفراقِ
1 "ينغص": يتكدر، و "النغص": الكدورات. [2] يتخايل: يتخيل: يتصور في خياله.
170- فصل: علو الهمة
775- ما ابتلي الإنسان قط بأعظم من علو همته؛ فإن من علت همته يختار المعالي، وربما لا يساعده الزمان، وقد تضعف الآلة، فيبقى في عذاب.
وإني أعطيت من علو الهمة طرفًا، فأنا به في عذاب، ولا أقول: ليته لم يكن؛ فإنه إنما يحلو العيش بقدر عدم العقل، والعاقل لا يختار زيادة اللذة بنقصان العقل.
776- ولقد رأيت أقومًا يصفون علو هممهم، فتأملتها، فإذا بها في فن
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 250