responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 154
442- إذا تسلط على العارف أَذًى، أعرض نظره عن السبب، ولم ير سوى المسبب، فهو في أطيب عيش معه: إن سكت، تفكر في إقامة حقه، وإن نطق، تكلم بما يرضيه، لا يسكن قلبه إلى زوجة ولا إلى ولد، ولا يتشبث بذيل محبة أحدٍ؛ وإنما يعاشر الخلق ببدنه، وروحه عند مالك روحه.
فهذا الذي لا هَمَّ عليه في الدنيا، ولا غم عنده وقت الرحيل عنها، ولا وحشة له في القبر، ولا خوف عليه يوم المحشر.
443- فأما من عدم المعرفة، فإنه معثر: لا يزال يضج من البلا؛ لأنه لا يعرف المبتلي، ويستوحش لفقد غرضه؛ لأنه لا يعرف المصلحة، ويستأنس بجنسه؛ لأنه لا معرفة بينه وبين ربه، ويخاف من الرحيل؛ لأنه لا زاد له، ولا معرفة بالطريق.
444- وكم من عالم وزاهد لم يرزقا من المعرفة إلا ما رزقه العامي البطال! وربما زاد عليهما! وكم من عامي رزق منها ما لم يرزقاه مع اجتهادهما! وإنما هي مواهب وأقسام[1]: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54] .

[1] الأقسام: جمع قسم وهو النصب.
89- فصل: لا تبع عزَّ التقوى بذل المعاصي
445- بالله عليك يا مرفوع القدر بالتقوى، لا تبع عزها بذل المعاصي! وصابر عطش الهوى في هجير[1] المشتهى، وإن أمض[2] وأرمض[3]، فإن بلغت النهاية من الصبر، فاحتكم وقل، فهو مقام "من لو أقسم على الله لأبره".
446- تالله لولا صبر عمر، ما انبسطت يده بضرب الأرض بالدرة[4]. ولولا جد أنس بن النضر في ترك هواه، وقد سمعت من آثار عزمته: "لئن أشهدني الله مشهدًا؛ ليرين الله ما أَصْنَعُ" فأقبل يوم أُحُدٍ يقاتل حتى قتل، فلم يعرف إلا ببنانه5،

[1] الهجير: شدة الحر وهو هنا شدة الشهوة.
[2] أمض: آلم.
[3] أرمض: أحرق لشدة حرّه.
[4] الدرة: سوط أو عصا لينة للتأديب.
5 رواه البخاري "4048"، ومسلم "1903" عن أنس بن مالك رضي الله عنه و "البنان" طرف الأصبع.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 154
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست