اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 149
لنفسي: إن غلبت هذه، فأنت أنت، وإذا أتيت هذه، فمن أنت؟! وذكرتها حالة أقوام كانوا يفسحون لأنفسهم في مسامحة، كيف انطوت أذكارهم، وتمكنت عقوبة الإعراض عنهم منهم، فارعوت[1] ورجعت عَمّا همت به، والله الموفق. [1] ارعوت: انزجرت، واتعظت.
84- فصل: اعرفوا عظمة الناهي
429- كثير من الناس يتسامحون في أمور يظنونها قريبة، وهي تقدح في الأصول، كاستعارة طلاب العلم جزءًا لا يردونه، وقصد الدخول على من يأكل ليأكل[1] معه، وتناول طعام لم يدع الإنسان إليه، والتسامح بعرض العدو التذاذًا بذلك، واستصغارًا لمثل هذا الذنب، وإطلاق البصر هوانًا بتلك الخطيئة، وفتوى من لا يعلم لئلَّا يقال: هو جاهل، ونحو ذلك مما يظنه صغيرًا وهو عظيم.
وأهون ما يصنع ذلك بصاحبه أن يحطه من مرتبة المتميزين بين الناس، ومن مقام رفعة القدر عند الحق. وربما قيل له بلسان الحق: يا من أؤتمن على أمر يسير فخان! ما بلية حظك فانوِ به[2].
قال بَعْضُ السَّلَفِ: تسامحت بلقمة، فتناولتها، فأنا اليوم من أربعين سنة إلى خلف[3].
فَاللهَ اللهَ! اسمعوا ممن قد جرب! كونوا على مراقبة! وانظروا في العواقب! واعرفوا عظمة الناهي! واحذروا من نفخة تحتقر، وشررة تستصغر، فربما أحرقت بلدًا! وهذا الذي أشرت إليه، يسير يدل على كثير، وأنموذج يعرف باقي المحقرات من الذنوب.
والعلم والمراقبة يعرفانك ما أخللت بذكره، ويعلمانك إن تلمحت بعين البصيرة أثر شؤم فعله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. [1] في الأصل: ليؤكل. [2] في "ي": كيف ترجو بتدليك رضًا الديان. والتدلي: انحطاط في الهمة توقع صاحبها في المعاصي. [3] خلف: أي من سيئ إلى أسوأ.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 149