اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 144
عليه، فإن قدرنا عدم الذنب، فذاك لإدخال ذهب صبره كير البلاء، حتى يخرج تِبْرًا أحمر، فهو يرى عذوبة العذاب؛ لأنه يشاهد المبتلى في البلاء "لا" الألم[1]. قال الشبْليُّ: أحبك الناس لنعمائك، وأنا أحبك لبلائك. [1] في الأصل: الألم، وهو تصحيف.
81- فصل: لا ينال لذة المعاصي إلا سكران الغفلة
416- لا ينال لذة المعاصي إلا سكران الغفلة، فأما المؤمن، فإنه لا يلتذ؛ لأنه عند التذاذه يقف بإزائه علم التحريم، وحذر العقوبة. فإن قويت معرفته، رأى بعين علمه قرب الناهي، فيتنغص عيشه في حال التذاذه.
417- فإن غلب سكر الهوى، كان القلب متنغصًا بهذه المراقبات، وإن كان الطبع في شهوته. وما هي إلا لحظة، ثم خذ من غريم ندم ملازم، وبكاء متواصل، وأسف على ما كان مع طول الزمان، حتى أنه لو تيقن العفو، وقف بإزائه حذر العتاب. فأفِّ للذنوب! ما أقبح آثارها! وما أسوأ أخبارها! ولا كانت شهوة لا تنال إلا بمقدار قوة الغفلة.
82- فصل: إنما عزلة العالم عن الشرِّ
418- بكرت يومًا أطلب الخلوة إلى جامع الرصافة[1]، فجعلت أجول وحدي وأتفكر في ذلك المكان، ومن كان به من العلماء والصالحين، ورأيت أقوامًا قد جاوزوا فيه، فسألت أحدهم: منذ كم أنت ها هنا؟ فأومأ إلى قريب من أربعين سنةً!
فرأيته في بيت كثير الدَّرَنَ والوسخ، وجعلت أتفكر في حبسه لنفسه عن النكاح هذه المدة!!
فأخذت النفس تحسن ذلك، وتذم الدنيا والاغترار بها، فأقبل العلم ينكر على النفس، ونهض الفهم لحقائق الأمور، وموضوع الشرع يقوي ما قال العلم، [1] الرصافة: الجانب الشرقي في بغداد، والكرخ الجانب الغربي، يفصل بينهما نهر دجلة.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 144