اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 137
72- فصل: السعيد من لازم التقوى
388- أعلم أن الزمان لا يثبت على حال، كما قال عز وجل: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140] ، فتارة فقر، وتارة غنى، وتارة عز، وتارة ذل، وتارة يفرح الموالي، وتارة يشمت الأعادي.
فالسعيد من لازم أصلًا واحدًا على كل حال، وهو تقوى الله عز وجل، فإنه إن استغنى، زانته، وإن افتقر، فتحت له أبواب الصبر، وإن عوفي، تمت النعمة عليه، وإن ابتلي، جملته. ولا يضره إن نزل به الزمان أو صعد، أو أعراه، أو أشبعه، أو أجاعه؛ لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير، والتقوى أصل السلامة، حارس لا ينام، يأخذ باليد عند العثرة، ويواقف[1] على الحدود.
والمنكر من غرته لذة حصلت مع عدم التقوى، فإنها ستحول، وتخليه خاسرًا.
389- ولازم التقوى في كل حال، فإنك لا ترى في الضيق إلا السعة، وفي المرض إلا العافية، هذا نقدها العاجل، والآجل معلوم. [1] يواقف: يوقف.
73- فصل: انهيال الابتاء على المؤمن.
390 تأملت أمرًا عجيبًا وأصلًا ظريفًا، وهو انهيال[1] الابتلاء على المؤمن، وعرض صورة اللذات عليه، مع قدرته على نيلها، وخصوصًا ما كان في غير كلفة من تحصيله، كمحبوب موافق في خلوة حصينة. فقلت: سبحان الله! ها هنا يبين أثر الإيمان، لا في صلاة ركعتين، والله، ما صعد يوسف عليه السلام، ولا سعد إلا في مثل ذلك المقام.
فبالله عليكم يا إخواني، تأملوا حاله، لو كان وافق هواه، من كان يكون؟! وقيسوا بين تلك الحالة وحالة آدم عليه السلام، ثم زنوا بميزان العقل عقبى تلك الخطيئة، وثمرة هذا الصبر، واجعلوا فهم الحال عدة عند كل مُشْتهًى. [1] انهيال: انصباب.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 137