اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 125
67- فصل: طوبى لمن عرف المسبِّبَ وتعلق به
342- قلوب العارفين يغار عليها من الأسباب، وإن كانت لا تساكنه؛ لأنها لما انفردت لمعرفتها، انفرد لها بتولي أمورها، فإذا تعرضت بالأسباب، محا أثر الأسباب: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25] .
343- وتأمل في حال يعقوب وحذره على يوسف عليهما السلام، حتى قال: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف: 13] ، فقالوا: {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف:17] ، فلما جاء أوان الفرج، خرج يهوذا بالقميص، فسبقه الريح: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} [يوسف: 94] .
344- وكذلك قول يوسف عليه السلام للسَّاقي: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] ، فعوقب بأن لبث سبع سنين، وإن كان يوسف عليه السلام يعلم أنه لا خلاص إلا بإذن الله، وأن التعرض بالأسباب مشروع، غير أن الغيرة أثرت في العقوبة.
345- ومن هذه قِصَّةُ مَرْيَمَ عليها السلام: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] ، فغار المسبب من مساكنه الأسباب: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37] .
346- ومن هذا القبيل ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب"[1].
347- والأسباب طريق، ولا بد من سلوكها، والعارف لا يساكنها، غير أنه يجلي له من أمرها ما لا يجلي لغيره من أنها لا تساكن، وربما عوقب[2] إن مال إليها، وإن كان ميلًا لا يقبله، غير أن أقل الهفوات يوجب الأدب[3].
وتأمل عقبى سليمان عليه السلام لما قال: "لأطوفن الليلة على مائة امرأة، تلد كل [1] رواه القضاعي "585" وابن عبد البر في التمهيد "21/ 20" وفي إسناده أحمد بن طاهر كذاب وعمر بن راشد منكر الحديث. [2] في الأصل: عرفت، وهو تصحيف. [3] لذلك قالوا: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 125