اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 123
على أنني أنا وهو نطلب من الفضل لا بأعمالنا، فإذا وقفت أنا على قدم الانسكار، معترفًا بذنوبي، وقلت: أعطوني بفضلكم، فما لي في سؤالي شيء أمن به، وربما تلمح ذاك حسن عمله، وكان صادًّا له.
فلا تسكريني أيتها النفس، فيكفيني كسر علمي بي لي! معي من العلم الموجب للأدب، والاعتراف بالتقصير، وشدة الفقر إلى ما سألت، ويقيني بفضل المطلوب عنه: ما ليس مع ذلك العابد؛ فبارك الله في عبادته، فربما كان اعترافي بتقصيري أوفى.
65- فصل: أي لب أوغل في النظر مدح على قدر فهمه.
339- قرأت من غرائب العلم وعجائب الحكم، على بعض من يدعي العلم؛ فرأيته يتلوى من سماع ذلك، ولا يطلع على غوره، ولا يشرئب[1] إلى ما يأتي، فصدقت[2] عن إسماعه شيئًا آخر، وقلت: إنما يصلح مثل هذا الذي لب يتلقاه تلقي العطشان الماء.
340- ثم أخذت من هذه إشارة، "هي أنه"[3] لو كان هذا يفهم ما جرى، ومدحني لحسن ما صنعت، لعظم قدره عندي، ولأريته محاسن مجموعاتي وكلامي، ولكنه لما لم أره لها أهلًا، صرفتها عنه، وصدفت بنظري عنه[4].
وكانت الإشارة: أن الله -عز وجل- قد صنف هذه المخلوقات، فأحسن التركيب، وأحكم الترتيب، ثم عرضها على الألباب، فأي لب أوغل في النظر، مدح على قدر فهمه، فأحبه المصنف.
وكذلك أنزل القرآن يحتوي على عجائب الحكم، فمن فتشه بيد الفهم، وحادثه في خلوة الفكر، استجلب رضا المتكلم به، وحظي بالزلفى[5] لديه، ومن كان [1] يشرئب: يتطاول ليتطلع وينظر، وتأتي بمعنى يتشوف. [2] صدقت: أعرضت. في الأصل: صرفت. [3] في الأصل: جعلت. [4] في الأصل: إليه. [5] الزلفى: القرب والمكانة.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 123