اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 109
كبياض نهار، ولا ينبغي للمستعمل في الطين أن يلبس نظيف الثياب؛ بل ينبغي أن يصابر ساعات العمل، فإذا فرغ، تنظف، ولبس أجود ثيابه، فمن ترفه وقت العمل، ندم وقت تفريق الأجرة، وعوقب على التواني[1] فيما كلف.
294- فهذه النبذة تقوي أزر الصبر، وأزيدها بسطًا فأقول: أترى إذا أريد اتخاذ شهداء، فكيف لا يخلق أقوام يبسطون أيديهم لقتل المؤمنين؟! أفيجوز أن يفتك بعمر إلا مثل أبي لؤلؤة[2]؟! وبعلي إلا مثل ابن ملجم[3]؟! أفيصح أن يقتل يحيى بن زكريا إلا جبار كافر؟!
295- ولو أن عين الفهم زال عنها غشاء العشا، لرأت المسبب لا الأسباب، والمقتدر لا الأقدار، فصبرت على بلائه، إيثارا لما يريد. ومن هاهنا ينشأ الرضا، كما قيل لبعض أهل البلاء: ادع الله بالعافية! فقال: أحبه إلي أحبه إلى الله عز وجل!!
إن كان رضاكم في سهري ... فسلام الله على وسني4 [1] التواني: الضعف والفتور. [2] فيروز الفارسي المجوسي، قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. [3] عبد الرحمن بن ملجم المرادي الخارجي، قاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
4 الوسن: النوم الخفيف.
55- فصل: الرضا بالقضاء وما يعين عليه
296- لما أنهيت كتابة الفصل المتقدم، هتف بي هاتف من باطني: دعني من شرح الصبر على الأقدار، فإني قد اكتفيت بأنموذج ما شرحت! وصف حال الرضا، فإني أجد نسيمًا من ذكره فيه روح للروح1!
فقلت: أيها الهاتف! اسمع الجواب! وافهم الصواب! إن الرضا من جملة ثمرات المعرفة، فإذا عرفته، رضيت بقضائه.
297- وقد يجري في ضمن القضاء مرارات، يجد بعض طعمها الراضي، أما العارف، فتقل عنده المرارة، لقوة حلاوة المعرفة، فإذا ترقى بالمعرفة إلى المحبة، صارت مرارة الأقدار حلاوة. كما قال القائل: [1] روح للروح: أي راحة للنفس.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 109