اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 203
الصحيح المزاج أن رؤية المستحسنات لا تزعجه ولا تؤثر عنده ولا تضره فِي دينه كذبناه لما نعلم من استواء الطباع فَإِن ثبت صدقه عرفنا أن به مرضا خرج به عَنْ حيز الاعتدال فَإِن تعلل فَقَالَ إنما أنظر إِلَى هذه المستحسنات معتبرا فأتعجب من حسن الصنعة فِي دعج العينين ورقة الأنف ونقاء البياض قلنا لَهُ فِي أنواع المباحات مَا يكفي فِي العبرة وههنا ميل طبعك يشغلك عَنْ الفكرة ولا يدع لبلوغ شهوتك وجود فكرة فَإِن ميل الطبع شاغل عَنْ ذلك وكذا من قَالَ إن هَذَا الغناء المطرب المزعج للطباع المحرك لها إِلَى العشق وحب الدنيا لا يؤثر عندي ولا يلفت قلبي إِلَى حب الدنيا الموصوفة فيه فإنا نكذبه لموضع اشتراك الطباع ثم إن كان قلبه بالخوف من اللَّه عز وجل غائبا عَنْ الهوى لأحضر هَذَا المسموع الطبع وإن كانت قد طالت غيبته فِي سفر الخوف وأقبح القبيح البهرجة ثم كيف تمر البهرجة عَلَى من يعلم السر وأخفى ثم إن كان الأمر كَمَا زعم هَذَا المتصوف فينبغي أن لا نبيحه إلا لمن هذه صفته والقوم قد أباحوه على الأطلاق للشاب المبتدىء والصبي الجاهل حتى قَالَ أَبُو حامد الغزالي إن التشبيب بوصف الخدود والأصداغ وحسن القد والقامة وسائر أوصاف النساء الصحيح أنه لا يحرم.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: فأما من قَالَ إني لا أسمع الغناء للدنيا وإنما آخذ منه إشارات فهو يخطىء من وجهين أحدهما أن الطبع يسبق إِلَى مقصوده قبل أخذ الإشارات فيكون كمن قَالَ إني أنظر إِلَى هذه المرأة المستحسنة لا تفكر فِي الصنعة والثاني إنه يقل فيه وجود شيء يشار به إِلَى الخالق وَقَدْ جل الخالق تبارك وتعالى أن يقال فِي حقه أنه يعشق ويقع الهيمان به وإنما نصيبنا من معرفته الهيبة والتعظيم فقط وإذ قد انْتَهَتِ النصيحة فنذكر ما قيل في الغناء.
فصل: أما مذهب أَحْمَد رحمه اللَّه فإنه كان الغناء فِي زمانه إنشاد قصائد الزهد إلا أنهم لما كانوا يلحنونها اختلفت الرواية عنه فروى عنه ابنه عَبْد اللَّهِ أنه قَالَ الغناء ينبت النفاق فِي القلب لا يعجبني وروى عنه إسماعيل بْن إسحاق الثقفي أنه سئل عَنِ استماع القصائد فَقَالَ أكرهه هو بدعة ولا يجالسون وروى عنه أَبُو الحارث أنه قَالَ التغيير[1] بدعة فَقِيلَ لَهُ أنه يرقق القلب فَقَالَ هو بدعة وروى عنه يعقوب الهاشمي التغيير بدعة محدث وروى عنه يعقوب بْن غياث[2] أكره التغيير وأنه نهى عَنِ استماعه. [1] في النسخة الثانية يعقوب بن محيان ولفظ التغيير هو تغيير الذكر بدعاء وتضرع كما ذكره المصنف بعد في صحيفة 230. [2] في نسخة الطباخ.
اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 203