اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر الجزء : 1 صفحة : 83
ترجو غداً وغدٌ كحاملةٍ ... في الحيِّ لا يدرون ما تلد
قرأت على سعيد بن نصر، أن قاسم بن أصبغ حدثهم، قال حدثنا عبد الله ابن روَّاح المدائنيّ، قال يزيد بن هرون، قال: حدثنا أبو موسى التميمي، قال: توفيت النَّوار امرأة الفرزدق فخرج في جنازتها وجوه أهل البصرة وخرج فيها الحسن، فقال للفرزدق: ماأعددت لهذا اليوم يا أبا فراس؟ قال: شهادة ألاَّ إله إلا الله منذ ثمانين سنة، فلما دفنت قام الفرزدق على قبرها فقال:
أخاف وراء القبر إن لم يعافنيأشدَّّ من القبر التهاباً وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائدٌ ... عنيفٌ وسوَّاقٌ يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى النار مغلول القلادة أزرقا
قال: فبكى وأبكى.
باب العافية والبلاء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سلوا الله العافية والمعافاة في الدُّنيا والآخرة، فإنه لم يؤت عبدٌ بعد اليقين بالله بأفضل من المعافاة ".
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من يرد لله به خيراً يصب منه ".
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: " أشدُّ الناس بلاءً النبيُّون، ثم الأمثل فالأمثل ". والأحاديث عنه صلّى الله عليه وسلم في هذا الباب كثيرة جدّاً.
قال عيسى عليه السلام: إنما النّاس مبتلًى ومعافًى، فإذا رأيتم أهل البلاء فارحموهم، وسلوا الله العافية.
قال علي بن الحسين: ماصاحب البلاء الذي قد طال به أحقّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء.
قال مطرِّف بن الشِّخِّير: لأن أعافى فأشكر، أحبّ إليَّ من أن أبتلى فأصبر، قال مطرِّف: ونظرت في النعمة التي لا يشوبها كدر فإذا هي العافية.
قال سليمان التَّيمي: إن المؤمن ليبتلى ويعافى، فيكون بلاؤه كفارةً واستعتاباً، وإن الكافر ليبتلى ويعافى فيكون مثل بعيرٍ عقل، لا يدري فيم عقل ولا لم أرسل.
قال منصور الفقيه:
رأيت البلاء كقطر السَّماء ... وما تنبت الأرض من ناميه
فلا تسألنّ: إذا ما سألت ... إلهك شيئاً سوى العافية
وله أيضاً:
حفظ الفتى لسانه ... محبةً في العافيه
واقية من البلاء إن ... كان منه واقيه
قال أكثم بن صيفي: العافية الملك الخفيّ.
كان يقال: لا خير في بدن لا ينكأ ولا في مال لا يرزأ.
كان يقال: من عمل بالعافية فيمن هو دونه رزقها ممن هو فوقه.
قال الشاعر:
بلاءٌ ليس يشبهه بلاءٌ ... عداوة غير ذي حسبٍ ودين
يبيحك منه عرضاً لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون
وقال آخر، وهو أبو راسب:
فلوأنِّي بليت بهاشميِّ ... خؤولته بنو عبد المدان
صبرت على عدواته ولكن ... تعالوا فانظروا عن ابتلاني
قال بشار بن برد:
إنِّي وإن كان جمع المال يعجبني ... فليس يعدل عندي صحَّة الجسد
في المال زينٌ وفي الأولاد مكرمةٌ ... والسُّقم ينسيك ذكر المال والولد
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " البلاء موكَّلٌ بالقول ".
أخذه الشاعر:
إنَّ البلاء موكَّلٌ بالمنطق
وقال آخر:
فإذا رأيت أخا البليّة فاستعذ ... بالله من شرِّ البلاء النَّازل
قال إبراهيم النَّخعي: كانوا يكرهون أن يسألوا الله العافية بحضرة المبتلى.
باب المرض والطِّبِّ
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: " أنزل الدَّاء الذي أنزل الأدواء ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من خير ما تداويتم به الحجامة ".
وقال عليه السلام: " إن كان دواءٌ يبلغ الداء فالحجامة تبلغه ".
قال محمد بن سيرين كنا بساباط المدائن، فمر بي رجل، فقيل لي: هذا حجم كسرى، فدعوته فقلت له: أنت حجمت كسرى؟ قال: نعم. قال وكم حجمته؟ قال: واحدة. قلت: ولم اقتصر على واحدة؟ قال: كان يقول: آخذ من الدواء أدناه، فإن كان نافعاً من نفعه، وإن كان ضارَّاً لم أكن استكثرت من ضرره.
اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر الجزء : 1 صفحة : 83