اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر الجزء : 1 صفحة : 248
يميتك ما يحييك في كل ساعةٍ ... ويحدوك حادٍ ما يريد بك الهزءا
وقال منصور الفقيه:
يا رسوم الجدث المه ... جور قولي لابن سعد
لو رأت عيناك عيني ... كيف سالت فوق خدي
بعد دفني بثلاثٍ ... ما هناك العيش بعدي
وقال آخر:
من كان لا يطأ التراب بنعله ... وطئ التراب بصفحة الخد
من كان بينك في التراب وبينه ... شبران فهو بغاية البعد
لو كشفت للناس أغطية الثرى ... لم يعرف المولى من العبد
خرج النعمان بن المنذر يتنزه بظاهر الحيرة ومعه عدي بن زيد العبادي، فمرا على المقابر فقال له عدي: أبيت اللعن! أتدري ما تقول هذه المقابر؟ قال: لا. قال: فإنها تقول:
من رآنا فليحدث نفسه ... أنه موفٍ على قرن الزوال
وصروف الدهر لا تبقى لها ... ولما تأتي به صم الجبال
رب ركبٍ قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال
والأباريق عليها فدم ... وجياد الخيل تردي في الجلال
عمروا الدهر بعيشٍ حسنٍ ... آمني دهرهم غير عجال
ثم أضحوا عصف الدهر بهم ... وكذاك الدهر حالاً بعد حال
كان عمر بن الخطاب يتمثل:
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويودي المال والولد
لم تغن عن هرمزٍ يوماً خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له ... والإنس والجن فيما بينها ترد
أين الملوك التي كانت لعزتها ... من كل أوبٍ إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذبٍ ... لابد من ورده يوماً كما وردوا
وقال آخر:
وإذا مضت للمرء من أعوامه ... خمسون وهو إلى التقى لم يجنح
عقدت عليه النابحات وقلن قد ... أرضيتنا فأقم كذا لا تبرح
وإذا رأى الشيطان غرة وجهه ... حياً، وقال: فديت من لم يفلح
نظر مالك من ملوك الفرس يوماً إلى ملكه فأعجبه، فقال: إن هذا لهو الملك لو لم يكن بعده هلك، وإنه لسرور لولا أنه غرور، وإنه ليوم، لو كان يوثق له بغد.
قال مالك بن أنس: سكن القبور رجل مجاوراً لها ملازماً، فعوتب في ذلك، فقال: إنهم جيران صدق لا يؤذونني، ولي فيهم عبرة.
قال ابن المعتز:
وجيران صدق لا تزاور بينهم ... على قرب بعض في التجاور من بعض
كأن خواتيماً من الطين فوقهم ... فليس لها حتى القيامة من فض
وقال الخليل بن أحمد:
كن كيف شئت فقصرك الموت ... لا مزحل عنه ولا فوت
بينا غنى بيتٍ وبهجته ... زال الغنى وتقوض البيت
وقال آخر:
اسمع فقد أسمعك الصوت ... إن لم تبادر فهو الفوت
كل كل ما شئت وعش ناعماً ... آخر هذا كله الموت
وقال آخر:
إذا ما وعظت الجاهلين بحكمةٍ ... فلم يعرفوها أنزلوها على هجر
فعظ كل ذي عقلٍ على قدر عقله ... ولا تعظ الحمقى على ذلك القدر
باب العمل
قال ر سول الله صلى الله عليه وسلم: " اعملوا، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ".
وقال عليه السلام: " لا تعمل شيئاً رياءً ولا تتركه حياء ".
قال أبو ذر: قلت يا رسول الله! الرجل يعمل العمل لنفسه ويحبه الناس عليه؟ قال: " ذلك عاجل بشري المؤمن ".
قال أبو الدرداء: اعملوا ما شئتم أن تعملوا، فإنه لن يأجركم الله حتى تعملوا.
قال القاسم بن محمد: أدركت الناس وما يعجبهم القول، إنما يعجبهم العمل.
قيل لمحمد بن المنكدر: أي الأعمال أفضل؟ قال: إدخال السرور على المؤمن.
قال بعض العلماء: أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط ".
لما قدم عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون من العراق، وسئل عن أهلها، قال:
اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر الجزء : 1 صفحة : 248