responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 98
أَعْمَلُ بِمُوجَبِ الْغَضَبِ.
قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْضَبُ لِلدُّنْيَا فَإِذَا غَضِبَ لِلْحَقِّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ» .
وَالْحَاصِلُ؛ أَنَّ أَعْظَمَ الطُّرُقِ فِي الْخَلَاصِ مِنْ الْغَضَبِ مَحْوُهُ حُبَّ الدُّنْيَا عَنْ الْقَلْبِ بِمَعْرِفَةِ آفَاتِهَا وَغَوَائِلِهَا، وَأَعْظَمَ الطُّرُقِ فِي الْوُقُوعِ فِي وَرْطَتِهِ الزَّهْوُ وَالْعُجْبُ وَالْمُزَاحُ وَالْهَزْلُ وَالْهُزْءُ وَالتَّعْيِيرُ وَالْمُمَارَاةُ وَالْمُضَارَّةُ وَالْغَدْرُ وَشِدَّةُ الْحِرْصِ عَلَى فُضُولِ الْمَالِ وَالْجَاهِ، فَهَذِهِ بِأَجْمَعِهَا أَخْلَاقٌ رَدِيئَةٌ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا، وَلَا خَلَاصَ مِنْ الْغَضَبِ مَعَ بَقَاءِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهَا بِالْمُجَاهَدَةِ وَالرِّيَاضَةِ إلَى أَنْ يَتَحَلَّى بِأَضْدَادِهَا.
وَمِنْهَا: مَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا يُعْلَمُ بِهِ دَوَاءُ الْغَضَبِ وَمُزِيلُهُ بَعْدَ هَيَجَانِهِ، وَمَرْجِعُهُ إلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَالْعِلْمُ بِأَنْ يَتَفَكَّرَ فِيمَا سَيَجِيءُ فِي فَضْلِ كَظْمِ الْغَيْظِ وَفِي الْعَفْوِ وَالْحِلْمِ وَالِاحْتِمَالِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَرْغَبُ فِيمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ فَيَزُولُ مَا عِنْدَهُ وَمَا يَضْطَرُّهُ إلَى الْهَوَانِ وَالْعَذَابِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِضَرْبِ رَجُلٍ قَرَأَ عَلَيْهِ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] فَقَرَأَهَا عُمَرُ وَتَأَمَّلَهَا فَخَلَّاهُ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ، وَتَأَسَّى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَفِيدُهُ فِي هَذَا فَأَمَرَ بِضَرْبِ رَجُلٍ ثُمَّ قَرَأَ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134] فَأَمَرَ بِإِطْلَاقِهِ، وَبِأَنْ يَتَأَمَّلَ فِي أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ قُدْرَتِهِ هُوَ فَرُبَّمَا لَوْ أَمْضَى غَضَبَهُ أَمْضَى اللَّهُ عَلَيْهِ غَضَبَهُ فَهُوَ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ لِلْعَفْوِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ كَمَا مَرَّ: «يَا ابْنَ آدَمَ اُذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرُك حِينَ أَغْضَبُ فَلَا أَمْحَقُك فِيمَنْ أَمْحَقُ» ، وَبِأَنْ يُحَذِّرَ نَفْسَهُ عَاقِبَةَ الِانْتِقَامِ مِنْ تَسَلُّطِ الْمُنْتَقَمِ مِنْهُ عَلَى عِرْضِهِ، وَإِظْهَارِ مَعَايِبِهِ وَالشَّمَاتَةِ بِمَصَائِبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَكَائِدِ الْأَعْدَاءِ، فَهَذِهِ غَوَائِلُ دُنْيَوِيَّةٌ يَنْبَغِي لِمَنْ لَا يُعَوِّلُ عَلَى الْآخِرَةِ أَنْ لَا يَقْطَعَ نَظَرَهُ عَنْهَا، وَبِأَنْ يَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ صُورَتِهِ عِنْدَ غَضَبِهِ مَعَ قُبْحِ الْغَضَبِ عِنْدَ نَفْسِهِ وَمُشَابَهَةِ صَاحِبِهِ لِلْكَلْبِ الضَّارِي، وَمُشَابَهَةِ الْحَلِيمِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَيَتَأَمَّلُ بُعْدَ مَا بَيْنَ الشَّبَهَيْنِ، وَبِأَنْ لَا يُصْغِيَ إلَى وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ الْمُهَيِّجَةِ لِغَضَبِهِ فَإِنَّ تَرْكَهُ يُورِثُ عَجْزَهُ عِنْدَ النَّاسِ، وَيَتَأَمَّلَ أَنَّ هَذَا دُونَ عَذَابِ اللَّهِ وَانْتِقَامِهِ الْمُفَرَّعَيْنِ عَلَى الْغَضَبِ وَالِانْتِقَامِ.
إذْ الْغَضْبَانُ يَوَدُّ جَرَيَانَ الشَّيْءِ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِ دُونَ مُرَادِ اللَّهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ لَا يَأْمَنُ غَضَبَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ غَضَبِهِ وَانْتِقَامِهِ، وَالْعَمَلُ بِأَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَيَأْخُذَ بِأَنْفِ

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 98
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست