responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 97
يَفْعَلُ هَكَذَا» .
وَمِنْهَا: ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الرِّيَاضَةَ تُزِيلُ الْغَضَبَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَآخَرُونَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ أَصْلًا.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالْحَقُّ مَا سَنَذْكُرُهُ.
وَحَاصِلُهُ؛ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ يُحِبُّ شَيْئًا وَيَكْرَهُ شَيْئًا فَلَا يَخْلُو مِنْ الْغَضَبِ، ثُمَّ الْمَحْبُوبُ إنْ كَانَ ضَرُورِيًّا كَالْقُوتِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَلْبَسِ وَصِحَّةِ الْبَدَنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَضَبِ لِأَجْلِ تَفْوِيتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ كَالْجَاهِ وَالصِّيتِ وَالتَّصَدُّرِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْمُبَاهَاةِ بِالْعِلْمِ وَالْمَالِ الْكَثِيرِ أَمْكَنَ عَدَمُ الْغَضَبِ عَلَيْهِ بِالزُّهْدِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ صَارَ مَحْبُوبًا بِالْعَادَةِ وَالْجَهْلِ بِمَقَاصِدِ الْأُمُورِ، وَأَكْثَرُ غَضَبِ النَّاسِ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ، أَوْ ضَرُورِيًّا فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ كَكُتُبِ الْعُلَمَاءِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَغْضَبُ لِفَوَاتِهِ إلَّا الْمُضْطَرُّ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: لَا تُؤَثِّرُ الرِّيَاضَةُ فِي زَوَالِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ الطَّبْعِ بَلْ فِي اسْتِعْمَالِهِ عَلَى حَدٍّ يَسْتَحْسِنُهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ بِالْمُجَاهَدَةِ وَتَكَلُّفِ التَّحَلُّمِ وَالِاحْتِمَالِ مُدَّةً حَتَّى يَصِيرَ الْحِلْمُ وَالِاحْتِمَالُ خُلُقًا رَاسِخًا.
وَكَذَلِكَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ، لِأَنَّ مَنْ هُوَ ضَرُورِيٌّ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُضْطَرِّ إلَى الْغَضَبِ عَلَى فَوَاتِهِ، فَلَا يُمْكِنُ بِالْمُجَاهَدَةِ زَوَالُهُ بَلْ ضَعْفُهُ نَظِيرُ مَا تَقَرَّرَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: فَيُمْكِنُ بِالْمُجَاهَدَةِ زَوَالُهُ بِالْكُلِّيَّةِ لِإِمْكَانِ إخْرَاجِ حُبِّهِ مِنْ الْقَلْبِ لِعَدَمِ اضْطِرَارِهِ إلَيْهِ، وَلِمُلَاحَظَةِ أَنَّ وَطَنَ الْإِنْسَانِ الْحَقِيقِيَّ الْقَبْرُ وَمُسْتَقَرَّهُ الْآخِرَةُ، وَإِنَّمَا الدُّنْيَا مَحَلُّ تَزَوُّدِهِ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ وَبَالٌ عَلَيْهِ فِي وَطَنِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ فَلْيَزْهَدْ فِيهَا مَا حَيَا حُبُّهَا مِنْ قَلْبِهِ.
نَعَمْ وُصُولُ الرِّيَاضَةِ إلَى قَلْعِ أَصْلِ هَذَا نَادِرٌ جِدًّا.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ ضَرَبْتُهُ فَاجْعَلْهَا مِنِّي صَلَاةً عَلَيْهِ وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
«وَقَالَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْتُبُ عَنْك مَا قُلْت فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُكْتُبْ فَوَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا حَقٌّ وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَقُلْ إنِّي لَا أَغْضَبُ، وَلَكِنْ قَالَ: إنَّ الْغَضَبَ لَا يُخْرِجُنِي عَنْ الْحَقِّ» : أَيْ لَا

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 97
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست