اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 187
خصيمًا جدلًا، والخصومة عديمة الفائدة قليلة العائدة فإن الجدال مع ما فيه قد يوقظ الفهم ويثير الأنفة لاقتباس العلم، والخصومة لا تثمر إلا العداوة وإنكار الحق؛ فلهذا جعلها اللَّه تعالى شرًّا من الجدال فقال تعالى: (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
وقال: (فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)
أي: جيد الخصومة مبين، ولم يذكر الخصام في موضع إلا عابه، وأيضًا فالمتجادلان يجريان مجرى فحلين تعاديا، وكبشين تناطحا، ورئيسين تحاربا، وكل واحد منهما يجتهد أن يكون هو الفاعل (وصاحبه هو المنفعل، وأن يكون هو الطابع) وصاحبه المنطبع، والقائل كالمؤثر، والسامع
كالمتأثر، (ومتى لم يخضع المتأثر لقبول أثر المؤثر) لم يتولد منهما خير بوجه، وقال حكيم: المجادل المدافع يجعل في نفسه عند الخوض في الجدال أن لا يقنع بشيء، ومن لا يقنعه إلا أن لا يقنع فما إلى إقناعه سبيل، ولو اتفق عليه الحكماء بكل بينة، بل لو اجتمع عليه الأنبياء بكل معجزة، كما قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. ما يجب أن يعامل به الجدل المماحك
إذا ابتليت بمجادل مهاوش ومساجل مناوش قصده اللجاج لا الحجاج ومراده مباهاة العلماء ومماراة السفهاء، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء "،
وقد قال الشاعر في مثله:
تراه معدًا للخلاف كأنه ... يرد على أهل الصواب موكل
فحقك أن تفر منه فرارك من الأسود والأساود فإن لم تجد من مزاولته بدًّا فقابل
اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 187