اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 135
هدى أو يرده عن ردى ".
ولاختلاف النظرين قال قوم: العقل مبدع، وقال قوم: هو مكتسب، وكلا القولين صحيح من وجه ووجه.
والعقل الغريزي للنفس بمنزلة البصر للجسد، والمستفاد لها بمنزلة النور، وكما أن البدن متى لم يكن له بصر فهو أعمى، كذلك النفس متى لم يكن لها بصيرة، أي العقل الغريزي فهي عمياء، وكما أن البدن متى لم يكن له نور من الجو لم يفد بصره، كذلك النفس متى لم يكن لها نور من العلم مستفاد لم تجد بصيرتها، ولذلك قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) .
وقد جعل للعقل نظر وإدراك ورؤية وإبصار، وجعل له أضداده من العمى وغيره، قال اللَّه تعالى: (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)
وقال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)
وقال: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
ولما كان فقدان البصيرة أشنع من فقدان البصر - لأن بارتفاع البصيرة ارتفاع النفع بالبصر - قال تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
فذمهم بفقدان البصيرة تنبيهًا أن فقدانها اختياري، إذ هو بتركهم
استفادة العلم، وأن أكثر فقدان البصر ضروري، وقال تعالى: (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)
فلولا أن العين أريد بها البصيرة لما قال: (عَنْ ذِكْرِي) " لأن الذكر لا يدرك بحاسة العين.
وقال ابن عباس - رضي الله عنها - لمن عيَّره بفقدان البصر: "إنا نصاب في أبصارنا وأنتم تصابون في بصائركم"
وكيف لا يكون فقدان البصيرة أعظم ضررًا من فقدان البصر، وقد تقدم
أن البدن بمنزلة فرس والنفس بمنزلة راكبه، وضرر عمى الراكب نفسه أشد عليه من ضرر عمى فرسه.
اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 135