اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 63
الله. فضرب لنا مثل داود عليه السلام الذي ألان له الحديد وأوحى له أن يعمل منه دروعا، ومثل سليمان عليه السلام الذي سخر له الريح لتحمل بساطه هو وخاصته إلى حيث يشاء، وأسال له النحاس وذلل له الجن في استخدام النحاس المذاب أو المصهور ليعمل منه أنواعا من المصنوعات. قال تعالى في سورة سبأ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} . ويضرب لنا القرآن الكريم أيضا مثل ذي القرنين وقيامه ببناء السد والحاجز الحصين لدرء خطر يأجوج ومأجوج وهما قبيلتان مفسدتان من ولد يافث بني نوح عليه السلام. وتم له ذلك بمساعدة قوة من الفعلة واستخدام كتل الحديد والنحاس المصهور. قال تعالى في سورة الكهف {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا، فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} .
والتربية الإسلامية تربية نفسية لأنها تخاطب عاطفة الإنسان ووجدانه وقلبه وضميره وتحتكم إليها ... أمرنا ديننا بأن نربي نفوسنا على الفضيلة والخير وحب الناس والتجرد من الأنانية وحب الذات، وجعل أساس الحساب على الأعمال ما استقر في النفس لا بما ظهر من السلوك. وأمرنا ديننا بالتعفف وعزة النفس ورياضتها وتدريبها والتحكم فيها. بل لقد اعتبر ديننا جهاد النفس جهادا أكبر من جهاد الحرب والقتال، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله بعد عودته من الحرب: "رجعت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: "جهاد النفس".
إن التربية الإسلامية تربية تحررية لأنها تحرر العقل من التعصب الأعمى والتزمت أو الانغلاق وضيق الأفق والإيمان بالأوهام والأساطير. كما أنها تحرر النفس من الخوف والعبودية والضعف. فالمسلم القوي خير من المسلم الضعيف.
وتحررها أيضا من الخبث والدنس واللؤم وكل ما يشينها، وهي أيضا تحرر الجسم من كل ما يدنسه ويعيبه وتقيمه على الطهارة والنظافة والعناية والاهتمام به كما تحرره من الخضوع للذات والشهوات.
ويقول العقاد في هذا المعنى في كتابه "الإنسان في القرآن": إن الإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه كل لا يتجزأ. للجانب الجسمي أو البيولوجي حاجاته ومتطلباته وللجانب الروحي والعقلاني حاجاته ومتطلباته. ومن هنا لا يجوز له الإسراف في مرضاة هذا ولا في مرضاة ذاك.
اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 63