اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 346
كبير السن والتعلم:
يرى الماوردي أن الشخص كبير السن مهما كان عمره عليه أن يتعلم ويطلب العلم. ويقول في ذلك إنه ربما امتنع الإنسان من طلب العلم لكبر سنه واستحيائه من تقصيره في صغره أن يتعلم في كبره فرضي بالجهل أن يكون موسوما به وآثره على العلم أن يصير مبتدئا به. وهذا من خدع الجهل وغرور الكسل، لأن العلم إذا كان فضيلة فرغبة ذوي الأسنان فيه أولى. والابتداء بالفضيلة فضيلة، ولأن يكون شيخا متعلما أولى أن يكون شيخا جاهلا. وقد حكي أن بعض الحكماء رأى شيخا كبيرا يحب النظر في العلم ويستحيي. فقال له: يا هذا، أتستحيي أن تكون في آخر عمرك أفضل مما كنت في أوله؟ وذكر أن إبراهيم بن المهدي دخل على المأمون وعنده جماعة يتكلمون في الفقه، فقال: يا عم، ما عندك فيما يقول هؤلاء؟ فقال: يا أمير المؤمنين، شغلونا في الصغر واشتغلنا في الكبر. فقال: لم لا تتعلمه اليوم؟ قال: أويحسن بمثلي طلب العلم؟ قال: نعم، والله لأن تموت طالبا للعلم خير من أن تعيش قانعا بالجهل. قال: وإلى متى يحسن بي طلب العلم؟ قال: ما حسنت بك الحياة، لأن الصغير أعذر، وإن لم يكن في الجهد عذر لأنه لم تطل به مدة التفريط ولا استمرت عليه أيام الإهمال. وقد قيل في منثور الحكم: جهل الصغير مقدور وعلمه محقور. فأما الكبير فالجهل به أقبح، ونقصه عليه أفضح، لأن علو السن إذا لم يكسبه فضلا ولم يفده علما، وكانت أيامه في الجهل ماضية، ومن الفضائل خالية، كان الصغير أفضل منه. لأن الرجاء له أكثر. والأمل فيه أظهر. وحسبك نقصا في رجل يكون الصغير المساوي له في الجهل أفضل منه.
ويورد الماوردي إلى جانب استحياء كبير السن وخوفه من التقصير في التعلم وطلب العلم كسب في العزوف عنه سببا آخر هو طلب المادة والتكسب والبحث عن لقمة العيش. ويقول الماوردي وربما امتنع "كبير السن من طلب العلم لتعذر المادة وشغله اكتسابها عن التماس العلم. وهذا وإن كان أعذر من غيره، مع أنه قلما يكون ذلك إلا عند ذي شره، وعيب شهوة مستعبدة. فينبغي أن يصرف للعلم حظا من زمانه. فليس كل الزمان اكتساب ولا بد للمكتسب من أوقات استراحة وأيام عطلة. ومن صرف كل نفسه إلى الكسب حتى لم يترك لها فراغا إلى غيره، فهو من عبيد الدنيا وأسرار الحرص. وقد روي عن النبي
اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 346