اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 330
"اقدعوا هذه النفوس "أي كفوها عن الآثام" فإنها طائعة وحادثوها فإنها سريعة الدثور" أي النسيان. ويعلق على هذه العبارة بقوله: واعلم أن هذه الكلمات مع قلة حروفها كثيرة المعاني وهي مع ذلك فصيحة واستوفت شروط البلاغة "ابن مسكويه: 185-188". ومما يحافظ على صحة النفس ألا يحرك المرء قوته الشهوانية والغضبية بل يتركها حتى يتحركا بأنفسهما. ولذلك يجب ألا يتذكر أعمال هاتين القوتين حتى لا يشتاق إليهما ويتحرك نحوها. بل يتركهما فإنهما يهيجان عند حاجتهما ويلتمسان ما يحتاج البدن إليه. ويتخذان من باعث الطبيعة ما يغني عن باعث الفكر. لأن الله تعالى إنما وهب هاتين القوتين لنا لنستخدمهما عند الحاجة إليهما لا لنخدمهما ونتعبد لهما.
ومن الأمور التي ينصح بها ابن مسكويه في المحافظة على صحة النفس أن يمعن المرء النظر في كل ما يعمل ويدبر حتى لا يخالف ما يجب تمييزه وتعقله. فما أكثر ما يعرض للإنسان من أفعال تخالف ما عقد عليه عزمه ورأيه. وعندما يقع له ذلك وجب عليه أن يضع لنفسه عقوبات لمقابلة مثل هذه الأخطاء أو الذنوب. فإذا أنكر من نفسه مبادرة إلى طعام ضار أو تناول فاكهة أو حلواء غير موافقة عاقب نفسه بصوم لا يفطر منه إلا على ألطف ما يقدر عليه وأقله، وإن أمكنه الطي "أي طي البطن وهو الجوع" فليفعل ويمكن في توبيخه لنفسه أن يقول لها: إنما قصدت تناول النافع فتناولت الضار. وهذا فعل من لا عقل له. وإن أنكر من نفسه كسلا وتدانيا في مصلحة له فليعاقب نفسه بسعي فيه مشقة أو صلاة فيها طول أو بعض الأعمال الصالحة التي فيها كدر وتعب. وليحذر في كل أوقاته ملابسة رذيلة أو مساعدة رفيق عليها أو مخالفة صواب. ولا يستحقون شيئا مما يأتيه من صغار السيئات. ولا يطلبن رخصة منها فإن ذلك يدعوه إلى أعظم منها. ومعظم النار من مستصغر الشرر. ويجب على المرء أن يتعود الصبر على ما يجب الصبر عليه والحلم عما ينبغي أن يحلم عنه ويضبط النفس عن الشهوات الرديئة ولا ينتظر دفع هذه الرذيلة وقت هجائها فإن الأمر يكون عن ذلك صعبا جدا. ولعله غير ممكن البته. ومن تعود في أول نشأته وشبابه ضبط النفس عن شهواتها عند ثورة غضبه وحفظ لسانه واحتمال أقرانه خف عليه
اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 330