اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 257
المرحلة الأولى للتربية الإسلامية: مرحلة البناء
مقدمة: بين العروبة والإسلام
كان العرب قبل الإسلام يعيشون في المنطقة التي تعرف الآن بشبه الجزيرة العربية، وكانت حياتهم حياة بداوة بسيطة تحكمها الصحراء بجدبها والقبيلة بعصبيتها. ولم تكن هناك وحدة سياسية تشملهم وإنما عاشوا في حالة تفكك اجتماعي وسياسي كبير. ولم يكن يوجد بينهم إلا اللغة والشعر يتطارحونه في أسواقهم الأدبية المعروفة، وهي عكاظ ومجنة وذو المجاز. ولم يكن لهم غير ذلك من نصيب كبير في مجال العلوم والفنون كما أشرنا. وكانوا يعبدون الأصنام ويشربون الخمر ويلعبون الميسر، ويؤمنون بالتطير ويتاجرون في العبيد.
وكانت مكة تحظى بأهمية خاصة لوجود البيت الحرام بها. وهو البيت الذي بناه إبراهيم عليه السلام إلى جانب أنها كانت أهم مركز تجاري. وكانت التجارة أهم الوسائل التي تربط العرب بالمجتمع الخارجي وتمثلت الطبقة الغنية هناك في طبقة التجار الذين كانوا يجلبون التجارة من بلاد فارس والشام واليمن. وكانت تجاور العرب في تلك الفترة دولتان كبيرتان على حظ كبير من الحضارة أولاهما دولة الفرس في الشرق وثانيتهما دولة الروم أو الدولة البيزنطية في الغرب، وكانت هذه الدولة الأخيرة تسيطر على العراق والشام ومصر وشمال إفريقيا.
وجاء الإسلام، وكان ثورة اجتماعية شاملة ضد التفكك والتخلف وسرعان ما وحد العرب تحت لوائه. ولكن الإسلام لم يكن لأهل الجزيرة العربية فحسب وإنما للناس قاطبة من عرب وعجم. ومن ثم بدأت رسالة الإسلام تأخذ طريقها إلى خارج الجزيرة لتبشر بالدين الجديد. وقد استطاع العرب تحت لواء الدين الجديد أن يهزموا أكبر دولتين في عصرهما "أي أوائل القرن السابع الميلادي". ولم يمض على وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام سوى حوالي ثلاثة أرباع قرن من الزمان إلا وكان الإسلام يرفرف على رقعة هائلة تمتد من المحيط الهندي شرقا حتى المحيط الأطلسي وغربا. فقد فتح العرب دمشق سنة 625م والعراق سنة 637م ومصر وفارس سنة 641م وبرقة سنة 643م وواصلوا فتحهم لشمال إفريقيا سنة 644م ولم تأت سنة 708م إلا وكانت لهم السيطرة عليها تماما. ودخل العرب إسبانيا سنة 711م وقد انتشر الإسلام بسرعة كبيرة في مناطق أخرى من العالم حتى أصبح يضم اليوم ما يقرب من خمسمائة مليون مسلم في جميع أنحاء العالم. وقد صاحب المد العربي انتشار الإسلام، بل وعندما انحسر الامتداد العربي بقي الإسلام كما هو بل واتسعت رقعته. والمهم من كل هذا هو أن نبين أن ما يعرف الآن بالوطن العربي دخل إلى العروبة عن طريق الإسلام. ومع حركة التعريب اللغوي والثقافي التي شملت هذا الوطن انصهر في بوتقة العروبة
اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 257