اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 134
ويؤكد الفارابي في نظريته للمعرفة على أهمية الحس فيقول: "فالمعارف إنما تحصل على النفس بطريق الحس" ... ويستشهد بقول أرسطو في كتاب "البرهان": "إن من فقد حسا فقد علما" ... بيد أن الفارابي لا يلغي دور العقل بل يؤكده لأنه يرى أن المعرفة لا تحصل للإنسان بمجرد مباشرة الحس للمحسوسات وإنما بعد تدخل قوى نفسية. يقول الفارابي:
" ... وقد يظن أن العقل تحصل فيه صورة الأشياء عند مباشرة الحس للمحسوسات بلا توسط وليس الأمر كذلك، بل بينهما وسائط، وهو أن الحس يباشر المحسوسات فتحصل صورها فيه ويؤيدها إلى الحس المشترك حتى تحصل فيه فيؤدي الحس المشترك تلك الصور إلى التخيل والتخيل إلى قوة التمييز ليعمل التمييز فيها تهذيبا وتنقيحا ويؤديها منقحة إلى العقل ... ".
إن المعرفة عند الغزالي نوعان: نوع محسوس يعرف عن طريق الحواس ونوع معقول يعرف عن طريق العقل، ويقول في ذلك: "فإذا عرفت انقسام الموجودات إلى محسوسات وإلى معلومات بالعقل ولا تباشر الحس والخيال. فأعرض عن الخيال رأسا وعول على مقتضى العقل فيه".
ويرى الغزالي أن المعرفة المستمدة من الحواس مثلها مثل المعرفة المستمدة من العقل غير يقينية لما تنطوي عليه من خداع. وفي ذلك يقول في "المنقذ من الضلال": "من أين الثقة بالمحسوسات وأقواها حاسة البصر وهي تنظر إلى الظل فتراه واقفا غير متحرك وتحكم بنفي الحركة؟ ثم بالتجربة والمشاهدة بعد ساعة تعرف أنه متحرك.. وتنظر إلى الكواكب فتراه صغيرا في مقدار دينار ثم الأدلة الهندسية تدل على أنه أكبر من الأرض في المقدار ... فقلت قد بطلت الثقة بالمحسوسات أيضا". ويتفق في هذا الرأي مع الغزالي الفيلسوف الفرنسي المعروف "ديكارت". فهو يرى أن المعلومات المستمدة من الحواس قابلة للشك. وحجته في ذلك أن ثمة أحلاما نراها وأوهاما نتصورها، ونعتقد اعتقادا جازما في وجودها مع أنها مجرد أحلام وخيالات. "عمارة نجيب: 36".
ويعتبر الغزالي تمشيا مع المدرسة المثالية أن المعرفة المستمدة من العقل تعلو في قيمتها على المعرفة المستمدة من الحواس لأن الحواس، في نظره خادعة
اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 134