اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 121
مع أكفائه.
أما الأمر الرابع الذي تصلح به الدنيا وهو الأمن العام فإليه تطمئن النفوس وفيه تنتشر الهمم وفيه يكن البريء ويأنس الضعيف. فليس لخائف راحة ولا لحاذر طمأنينة. وقد قال بعض الحكام: الأمن أهنأ عيش والعدل أقوى جيش.
وأما الأمر الخامس وهو خصب الدار ووفرة العيش فيه تتسع النفوس ويشترك فيه ذوو الإكثار والإقلال. فيقل في الناس الحسد وينتفي عنهم تباغض العدم. ولأن الخصب يئول إلى الغنى. والغنى يورث الأمانة والسخاء. وقال بعض السلف: "إني وجدت خير الدنيا والآخرة في التقى والغنى، وشر الدنيا والآخرة في الفجور والفقر". وقد قال الشاعر في هذا المعنى:
ولم أر بعد الدين خيرا من الغنى ... ولم أر بعد الكفر شرا من الفقر
أما الأمر السادس وهو الأصل الفسيح فإنه يبعث على اقتناء ما يقصر العصر عن استيطابه. ويبعث على اقتناء ما ليس يؤمل في دركه بحياة أربابه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: $"الأمل رحمة من الله لأمتي ولولاه ما غرس غارس شجرا ولا أرضعت أم ولدا". وقد قال الشاعر في هذا المعنى:
وللنفوس وإن كانت على وجل ... من المنية آمال تقويها
فالصبر يبسطها والدهر يقبضها ... والنفس تنشرها والموت يطويها
ويفرق الماوردي بين الآمال والأماني. فالآمال ما تقيدت بأسباب والأماني ما تجردت عنها. أي أن الأمل يتعلق بتحصيل شيء يمكن حصوله. أما الأمنية فهي رجاء وتمني لشيء من الصعب أو المحال تحقيقه.
ثانيا: المعرفة في الإسلام "مدخل ابستمولوجي"
مدخل
...
ثانيا: المعرفة في الإسلام "مدخل أبستمولوجي"
شغل علماء المسلمين بالبحث في العلوم والمعارف وأنواعها وتصنيفاتها والمفاضلة بينها. ويقول ابن خلدون: "ومن الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم من العجم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية إلا في القليل النادر. وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته مع أن الملة عربية وصاحب شريعتها عربي". "والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة ... والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين". وقد فاضل علماء المسلمين بين العلوم شريفها ووضيعها ومحمودها ومذمومها. وكانت الفلسفة أكثر العلوم موضعا للجدل. فقد نظر إليها الغزالي على أن كثيرها مذموم لما تؤدي إليه من الشك أو الإلحاد، واعتبرها ابن خلدون صناعة عاطلة.
وقد ورد عن الجاحظ أنه مدح الفلسفة وذمها فيما مدحه وذمه من العلوم معربا عن قدرته على الكلام وبعد شأوه في البلاغة. قال مادحا الفلسفة: إنها أداة الضمائر وآلة الخواطر ونتائج العقل وأداة لمعرفة الأجناس والعناصر وعلم الأعراض والجواهر، وعلل الأشخاص والصور واختلاف الأخلاق والطبائع والسجايا والغرائز. وقال في ذم الفلسفة: إنها كلام مترجم وعلم مرجم بعيد مداه قليل جدواه مخوف على صاحبه سطوة الملوك وعداوة العامة. ومن المعروف أن الجاحظ كان من المعتزلة وهي إحدى فرق الكلام الإسلامية التي تحتكم إلى العقل في منهجها الفلسفي.
وهكذا نجد أن المتقدمين من المسلمين قد اختلفوا في تقديرهم للفلسفة بين مادح وقادح، لكنهم لم يصلوا إلى درجة المبالغة في معاداة الفلسفة وتحريم الاشتغال بها على غرار ما نجده عند بعض علماء المسلمين الذين جاءوا في فترة متأخرة. فالشهرزوري أحد علماء القرن الثالث عشر يذكر في فتواه فيمن يشتغل بالمنطق والفلسفة تعلما وتعليما قوله:
الفلسفة أس السفه والانحلال ومادة الحيرة والضلال ومثار الزيغ والزندقة.. من تلبس بها تعليما وتعلما قارنه الخذلان والحرمان واستحوذ عليه الشيطان.. وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة ومدخل الشر شر وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه من إباحة الشارع ولا استباحه أحد من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين والسلف الصالحين ... ومن زعم أن يشتغل مع نفسه بالمنطق والفلسفة لفائدة يزعمها فقد خدعه الشيطان ومكر به. فالواجب على السلطان أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم ويخرجهم عن المدارس ويبعدهم ويعاقب على الاشتغال بفنهم "مصطفى عبد الرازق: ص85".
اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 121