اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 102
ومن أجل الإجابة على هذه الأسئلة كتب ابن طفيل قصته المشار إليها وهي قصة خيالية عقلية لطيفة يعرضها لنا الأستاذ عبد الحليم محمود في السطور الآتية:
إنها قصة طفل نشأ في جزيرة منذ طفولته الأولى وأخذ ابن طفيل يتدرج معه في تطوره الجسمي إلى أن اكتمل جسميا وأخذ يتدرج معه في تطوره العقلي من فكرة إلى فكرة، ومن مبدأ إلى مبدأ حتى وصل الفتى إلى إثبات وجود الله بطريق العقل المحض ... ثم بدأ فتانا يفكر فرأى أن كل موجود يمكن الاتصال به على وضع يليق به، فأخذ يفكر في كيفية الاتصال.. ونحن نحب أن ندع ابن طفيل نفسه يتكلم: إنه يرى أن هناك رتبة من المعرفة ينتهي إليها بطريق العلم النظري، والبحث الفكري، وهذه الرتبة تعتبر طورا من أطوار "حي بن يقظان". وبعد أن شب وترعرع وبلغ دور التمييز، وانتهى إلى مرحلة التعقل، والاستدلال، والبرهان، أدرك بطريق النظر حقيقة الجسم، وأنه منتاه، وأدرك أبدية العالم، وحصلت عنه فكرة نظرية عما وراء الطبيعة، واستقام له الحق بطريق البحث والنظر. فلما انتهى من هذه المرحلة بدأ في المرحلة الثانية: مرحلة الوصول إلى الحكمة بطريق الرياضية الروحية. وكان مما يقوم به من هذا الارتياض أنه كان يلازم الفكرة في الوجود الواجب الوجود. ثم يقطع علائق المحسوسات، ويغمض عينيه ويسد أذنيه، ويضرب جهده عن تتبع الخيال، ويروم بمبلغ طاقته ... ألا يفكر في شيء سواه، ولا يشرك به أحدا. ويستعين على ذلك بالاستدارة على نفسه، وبالاستحثاث فيها، فكان إذا اشتد في الاستدارة غابت عنه جميع المحسوسات، وضعف الخيال، وسائر القوي التي تحتاج إلى الآلات الجسمانية، وقوي فعل ذاته، التي هي برئية من الجسم. وكانت فكرته في بعض الأوقات قد تخلصت من الشوب، ويشاهد به الموجود. والواجب الوجود. ثم تكر عليه القوى الجسمانية فتفسد عليه حاله، وترده إلى أسفل السافلين، فيعود من ذي قبل فإن لحقه ضعف يقطع به عن غرضه، تناول بعض الأغذية بحسب شرائط معينة، ثم انتقل إلى شأنه. ثم رأى أن الحركة من أخص صفات الأجسام، وكان يريد طرح الأوصاف الجسمية عن ذاته، فأخذ يقتصر على السكون في مغارته مطرقا، غاضا بصره، معرضا عن جميع
اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 102