responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 263
فَقُلْت لَهَا: نَحِلْتُ فَصَارَ خَطِّي ... مُسَاعَدَةً لِكَاتِبِهِ نَحِيلَا
لِأَنَّهُ خَرَجَ مُخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ وَالِاقْتِدَارِ عَلَى صَنْعَةِ الشَّعْرِ، وَأَنَّ شَوَاهِدَ الْحَالِ تُخْرِجُهُ عَنْ تَلْبِيسِ الْكَذِبِ، وَكَذَلِكَ مَا اُسْتُحْسِنَ فِي الصَّنْعَةِ وَلَمْ يُسْتَقْبَحْ فِي الْعَقْلِ وَإِنْ كَانَ الْكَذِبُ مُسْتَقْبَحًا فِيهِ.
وَمِنْهَا: الدِّينُ الْوَارِدُ بِاتِّبَاعِ الصِّدْقِ وَحَظْرِ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ بِإِرْخَاصِ مَا حَظَرَهُ الْعَقْلُ، بَلْ قَدْ جَاءَ الشَّرْعُ زَائِدًا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْلُ مِنْ حَظْرِ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِحَظْرِ الْكَذِبِ وَإِنْ جَرَّ نَفْعًا أَوْ دَفَعَ ضَرَرًا. وَالْعَقْلُ إنَّمَا حَظْرَ مَا لَا يَجْلِبُ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ ضَرَرًا.
وَمِنْهَا: الْمُرُوءَةُ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْكَذِبِ بَاعِثَةٌ عَلَى الصِّدْقِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمْنَعُ مَنْ فَعَلَ مَا كَانَ مُسْتَكْرَهًا، فَأَوْلَى مَنْ فَعَلَ مَا كَانَ مُسْتَقْبَحًا.
وَمِنْهَا: حُبُّ الثَّنَاءِ وَالِاشْتِهَارِ بِالصِّدْقِ حَتَّى لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلٌ وَلَا يَلْحَقُهُ نَدَمٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: لِيَكُنْ مَرْجِعُك إلَى الْحَقِّ وَمَنْزَعُكَ إلَى الصِّدْقِ، فَالْحَقُّ أَقْوَى مُعِينٍ، وَالصِّدْقُ أَفْضَلُ قَرِينٍ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
عَوِّدْ لِسَانَك قَوْلَ الصِّدْقِ تَحْظَ بِهِ ... إنَّ اللِّسَانَ لِمَا عَوَّدْتَ مُعْتَادُ
مُوَكَّلٌ بِتَقَاضِي مَا سَنَنْتَ لَهُ ... فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَانْظُرْ كَيْفَ تَرْتَادُ.

وَأَمَّا دَوَاعِي الْكَذِبِ فَمِنْهَا: اجْتِلَابُ النَّفْعِ وَاسْتِدْفَاعُ الضُّرِّ، فَيَرَى أَنَّ الْكَذِبَ أَسْلَمُ وَأَغْنَمُ فَيُرَخِّصُ لِنَفْسِهِ فِيهِ اغْتِرَارًا بِالْخُدَعِ، وَاسْتِشْفَافًا لِلطَّمَعِ. وَرُبَّمَا كَانَ الْكَذِبُ أَبْعَدَ لِمَا يُؤَمِّلُ وَأَقْرَبَ لِمَا يَخَافُ؛ لِأَنَّ الْقَبِيحَ لَا يَكُونُ حَسَنًا وَالشَّرَّ لَا يَصِيرُ خَيْرًا. وَلَيْسَ يُجْنَى مِنْ الشَّوْكِ الْعِنَبُ وَلَا مِنْ الْكَرْمِ الْحَنْظَلُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «تَحَرَّوْا الصِّدْقَ وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنَّ فِيهِ الْهَلَكَةَ فَإِنَّ فِيهِ النَّجَاةَ، وَتَجَنَّبُوا الْكَذِبَ وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنَّ فِيهِ النَّجَاةَ فَإِنَّ فِيهِ الْهَلَكَةَ» . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَأَنْ يَضَعَنِي الصِّدْقُ وَقَلَّمَا يَفْعَلُ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَرْفَعَنِي الْكَذِبُ وَقَلَّمَا يَفْعَلُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الصِّدْقُ مُنْجِيك وَإِنْ خِفْته، وَالْكَذِبُ مُرْدِيك وَإِنْ أَمِنْته. وَقَالَ الْجَاحِظُ: الصِّدْقُ وَالْوَفَاءُ تَوْأَمَانِ، وَالصَّبْرُ وَالْحِلْمُ تَوْأَمَانِ فِيهِنَّ تَمَامُ كُلِّ دِينٍ، وَصَلَاحُ كُلِّ دُنْيَا، وَأَضْدَادُهُنَّ سَبَبُ كُلِّ فُرْقَةٍ

اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 263
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست