responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 257
مِنْ الْفَضَائِلِ. وَلَكِنْ إذَا ثَارَ بِهِ الْغَضَبُ عِنْدَ هُجُومِ مَا يُغْضِبُهُ كَفَّ سَوْرَتَهُ بِحَزْمِهِ، وَأَطْفَأَ ثَائِرَتَهُ بِحِلْمِهِ، وَوَكَّلَ مَنْ اسْتَحَقَّ الْمُقَابَلَةَ إلَى غَيْرِهِ. وَلَمْ يَعْدَمْ مُسِيئًا مُكَافِيًا كَمَا لَمْ يَعْدَمْ مُحْسِنًا مُجَازِيًا.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: دَخَلَ بَيْتًا مَا أُخْرِجَ مِنْهُ. أَيْ إنْ أُخْرِجَ مِنْهُ خَيْرٌ دَخَلَهُ خَيْرٌ، وَإِنْ أُخْرِجَ مِنْهُ شَرٌّ دَخَلَهُ شَرٌّ. وَأَنْشَدَ ابْنُ دُرَيْدٍ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ:
إذَا أَمِنَ الْجُهَّالُ جَهْلَك مَرَّةً ... فَعِرْضُك لِلْجُهَّالِ غُنْمٌ مِنْ الْغُنْمِ
فَعَمِّ عَلَيْهِ الْحِلْمَ وَالْجَهْلَ وَالْقِهِ ... بِمَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْعَدَاوَةِ وَالسِّلْمِ
إذَا أَنْتَ جَازَيْت السَّفِيهَ كَمَا جَزَى ... فَأَنْتَ سَفِيهٌ مِثْلُهُ غَيْرُ ذِي حِلْمِ
وَلَا تُغْضِبَنَّ عِرْضَ السَّفِيهِ وَدَارِهِ ... بِحِلْمٍ فَإِنْ أَعْيَا عَلَيْكُمْ فَبِالصَّرْمِ
فَيَرْجُوك تَارَاتٍ وَيَخْشَاك تَارَةً ... وَيَأْخُذُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِالْحَزْمِ
فَإِنْ لَمْ تَجِدْ بُدًّا مِنْ الْجَهْلِ فَاسْتَعِنْ ... عَلَيْهِ بِجُهَّالٍ فَذَاكَ مِنْ الْعَزْمِ
وَهَذِهِ مِنْ أَحْكَمِ أَبْيَاتٍ وَجَدْتُهَا فِي تَدْبِيرِ الْحِلْمِ وَالْغَضَبِ. وَهَذَا التَّدْبِيرُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ بُدًّا مِنْ مُقَارَنَتِهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إطْرَاحِهِ وَمُتَارَكَتِهِ، إمَّا لِخَوْفِ شَرِّهِ أَوْ لِلُّزُومِ أَمْرِهِ.
فَأَمَّا مَنْ أَمْكَنَ إطْرَاحُهُ وَلَمْ يَضُرَّ إبْعَادُهُ، فَالْهَوَانُ بِهِ أَوْلَى وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ أَصْوَبُ. فَإِذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْتُ اسْتَفَادَ بِتَحْرِيكِ الْغَضَبِ فَضَائِلَهُ وَأَمِنَ بِكَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الِانْقِيَادِ لَهُ رَذَائِلَهُ، وَصَارَ الْحِلْمُ مُدَبِّرًا لِلْأُمُورِ الْمُغْضِبَةِ بِقَدْرٍ لَا يَعْتَرِيهِ نَقْصٌ بِعَدَمِ الْغَضَبِ، وَلَا يَلْحَقُهُ زِيَادَةٌ بِفَقْدِ الْحِلْمِ. وَلَوْ عَزَبَ عَنْهُ الْحِلْمُ حَتَّى انْقَادَ لِغَضَبِهِ ضَلَّ عَنْهُ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيهِ، وَضَعُفَ رَأْيُهُ عَنْ خِيرَةِ أَسْبَابِهِ وَدَوَاعِيهِ، حَتَّى يَصِيرَ بَلِيدَ الرَّأْيِ، مَغْمُورَ الرَّوِيَّةِ، مَقْطُوعَ الْحُجَّةِ، مَسْلُوبَ الْعَزَاءِ، قَلِيلَ الْحِيلَةِ، مَعَ مَا يَنَالُهُ مِنْ أَثَرِ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ وَجَسَدِهِ حَتَّى يَصِيرَ أَضَرَّ عَلَيْهِ مِمَّا غَضِبَ لَهُ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ كَثُرَ شَطَطُهُ كَثُرَ غَلَطُهُ. وَرُوِيَ أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا الَّذِي يُبَاعِدُنِي عَنْ غَضَبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: لَا تَغْضَبْ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إذَا غَضِبَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءُ: مَنْ رَدَّ غَضَبَهُ هَدَّ مَنْ

اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 257
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست