اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 86
إنه غبي غمر جاهل فهذا نوع آخر من العلوم يسمى عقلاً
الرابع أن تنتهي قوة تلك الغريزة إلى أن يعرف عواقب الأمور ويقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة ويقهرها فإذا حصلت هذه القوة سمى صاحبها عاقلاً من حيث إن إقدامه وإحجامه بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب لا بحكم الشهوة العاجلة وهذه أيضاً من خواص الإنسان التي بها يتميز عن سائر الحيوان فالأول هو الأس والسنخ والمنبع
والثاني هو الفرع الأقرب إليه
والثالث فرع الأول والثاني إذ بقوة الغريزة والعلوم الضرورية تستفاد علوم التجارب
والرابع هو الثمرة الأخيرة وهو الغاية القصوى فالأولان بالطبع والأخيران بالاكتساب
ولذلك قال علي كرم الله وجهه
رأيت العقل عقلين ... فمطبوع ومسموع
ولا ينفع مسموع ... إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس ... وضوء العين ممنوع
والأول هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم ما خلق الله عز وجل خلقاً أكرم عليه من العقل [1] والأخير هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم إذا تقرب الناس بأبواب البر والأعمال الصالحة فتقرب أنت بعقلك [2] وهو المراد بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء رضي الله عنه ازدد عقلاً تزدد من ربك قرباً فقال بأبي أنت وأمي وكيف لي بذلك فقال اجتنب محارم الله تعالى وأد فرائض الله سبحانه تكن عاقلاً واعمل بالصالحات من الأعمال تزدد في عاجل الدنيا رفعة وكرامة وتنل في آجل العقبى بها من ربك عز وجل القرب والعز [3] وعن سعيد بن المسيب أن عمر وأبي بن كعب وأبا هريرة رضي الله عنهم دخلوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا رسول الله من أعلم الناس فقال صلى الله عليه وسلم العاقل قالوا فمن أعبد الناس قال العاقل قالوا فمن أفضل الناس قال العاقل قالوا اليس العاقل من تمت مروءته وظهرت فصاحته وجادت كفه وعظمت منزلته فقال صلى الله عليه وسلم {وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين} إن العاقل هو المتقي وإن كان في الدنيا خسيساً ذليلاً [4] قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر إنما العاقل من آمن بالله وصدق رسله وعمل بطاعته [5] ويشبه أن يكون أصل الاسم في أصل اللغة لتلك الغريزة وكذلك في الاستعمال وإنما أطلق على العلوم من حيث إنها ثمرتها كما يعرف الشيء بثمرته فيقال العلم هو الخشية والعالم من يخشى الله تعالى
فإن الخشية ثمرة العلم فتكون كالمجاز لغير تلك الغريزة ولكن ليس الغرض البحث عن اللغة
والمقصود أن هذه الأقسام الأربعة موجودة والاسم يطلق على جميعها ولا خلاف في وجود جميعها إلا في القسم الأول والصحيح وجودها بل هي الأصل
وهذه العلوم كأنها مضمنة في تلك الغريزة بالفطرة ولكن تظهر في الوجود إذا جرى سبب يخرجها إلى الوجود حتى كأن هذه العلوم ليست بشيء وارد عليها من خارج وكأنها كانت مستكنة فيها فظهرت ومثاله الماء في الأرض فإنه يظهر بحفر البئر ويجتمع ويتميز بالحس لا بأن يساق إليها شيء جديد وكذلك الدهن في اللوز وماء الورد في الورد ولذلك قال تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم [1] حديث ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر بسند ضعيف من رواية الحسن عن عدة من الصحابة [2] حديث إذا تقرب الناس بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث علي إذا اكتسب الناس من أنواع البر ليتقربوا بها إلى ربنا عز وجل فاكتسب أنت من أنواع العقل تسبقهم بالزلفة والقرب وإسناده ضعيف [3] حديث ازدد عقلاً تزدد من ربك قربا الحديث قاله لأبي الدرداء أخرجه ابن المجبر ومن طريقه الحارث ابن أبي أسامة والترمذي الحكيم في النوادر [4] حديث ابن المسيب أن عمر وأبي بن كعب وأبا هريرة دخلوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا يا رسول الله من أعلم الناس فقال العاقل الحديث أخرجه ابن المجبر [5] حديث إنما العاقل من آمن بالله وصدق رسله وعمل بطاعته أخرجه ابن المجبر من حديث سعيد بن المسيب مرسلا وفيه قصة
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 86