responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 85
عمارة وعمارة الآخرة العقل ولكل امرىء عقب ينسب إليه ويذكر به وعقب الصديقين الذيينسبون إليه ويذكرون به العقل ولكل سفر فسطاط وفسطاط المؤمنين العقل [1] وقال صلى الله عليه وسلم إن أحب المؤمنين إلى الله عز وجل من نصب في طاعة الله عز وجل ونصح لعباده وكمل عقله ونصح نفسه فأبصر وعمل به أيام حياته فأفلح وأنجح [2] وقال صلى الله عليه وسلم أتمكم عقلاً أشدكم لله تعالى خوفاً وأحسنكم فيما أمركم به ونهى عنه نظراً وإن كان أقلكم تطوعاً (3)
بيان حقيقة العقل وأقسامه

اعلم أن الناس اختلفوا في حد العقل وحقيقته وذهل الأكثرون عن كون هذا الاسم مطلقاً على معان مختلفة فصار ذلك سبب اختلافهم
والحق الكاشف للغطاء فيه أن العقل اسم يطلق بالاشتراك على أربعة معان كما يطلق اسم العين مثلاً على معان عدة وما يجري هذا المجرى فلا ينبغي أن يطلب لجميع أقسامه حد واحد بل يفرد كل قسم بالكشف عنه فالأول الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم وهو الذي استعد به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية وهو الذي أراده الحارث بن أسد المحاسبي حيث قال في حد العقل إنه غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية وكأنه نور يقذف في القلب به يستعد لإدراك الأشياء ولم ينصف من أنكر هذا ورد العقل إلى مجرد العلوم الضرورية فإن الغافل عن العلوم والنائم يسميان عاقلين باعتبار وجود هذه الغريزة فيهما مع فقد العلوم وكما أن الحياة غريزة بها يتهيأ الجسم للحركات الاختيارية والإدراكات الحسية فكذلك العقل غريزة بها تتهيأ بعض الحيوانات للعلوم النظرية ولو جاز أن يسوى بين الإنسان والحمار في الغريزة والإدراكات الحسية
فيقال لا فرق بينهما إلا أن الله تعالى بحكم إجراء العادة يخلق في الإنسان علوماً وليس يخلقها في الحمار والبهائم لجاز أن يسوي بين الحمار والجماد في الحياة ويقال لا فرق ألا إن الله عز وجل يخلق في الحمار حركات مخصوصة بحكم إجراء العادة
فإنه لو قدر الحمار جماداً ميتاً لوجب القول بأن كل حركة تشاهد منه فالله سبحانه وتعالى قادر على خلقها فيه على الترتيب المشاهد
وكما وجب أن يقال لم يكن مفارقته للجماد في الحركات إلا بغريزة اختصت به عبر عنها بالحياة فكذا مفارقة الإنسان البهيمة في إدراك العلوم النظرية بغريزة يعبر عنها بالعقل وهو كالمرآة التي تفارق غيرها من الأجسام في حكاية الصور والألوان بصفة اختصت بها وهي الصقالة
وكذلك العين تفارق الجبهة في صفات وهيئات بها استعدت للرؤية فنسبة هذه الغريزة إلى العلوم كنسبة العين إلى الرؤية ونسبة القرآن والشرع إلى هذه الغريزة في سياقها إلى انكشاف العلوم لها كنسبة نور الشمس إلى البصر فهكذا ينبغي أن تفهم هذه الغريزة
الثاني هي العلوم التي تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميز بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد وأن الشخص الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد وهو الذي عناه بعض المتكلمين حيث قال في حد العقل إنه بعض العلوم الضرورية كالعلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات وهو أيضاً صحيح في نفسه لأن هذه العلوم موجودة وتسميتها عقلاً ظاهر وإنما الفاسد أن تنكر تلك الغريزة ويقال لا موجود إلا هذه العلوم
الثالث علوم تستفاد من التجارب بمجاري الأحوال فإن من حنكته التجارب وهذبته المذاهب يقال إنه عاقل في العادة ومن لا يتصف بهذه الصفة فيقال

[1] حديث ابن عباس لكل شيء آلة وعدة وإن آلة المؤمن العقل الحديث أخرجه ابن المجبر وعنه الحارث
[2] حديث إن أحب المؤمنين إلى الله من نصب في طاعة الله الحديث أخرجه ابن المجبر من حديث ابن عمر ورواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس بإسناد آخر ضعيف
(3) حديث أتمكم عقلاً أشدكم لله خوفا الحديث أخرجه ابن المجبر من حديث أبي قتادة
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 85
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست