responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 35
فلما سمع كلام الحسن البصري لم يخرجه إذا كان يتكلم في علم الآخرة والتفكير بالموت والتنبيه على عيوب النفس وآفات الأعمال وخواطر الشيطان ووجه الحذر منها ويذكر بآلاء الله ونعمائه وتقصير العبد في شكره ويعرف حقارة الدنيا وعيوبها وتصرمها ونكث عهدها وخطر الآخرة وأهوالها فهذا هو التذكير المحمود شرعاً الذي روى الحث عليه في حديث أبي ذر رضي الله عنه حيث قال حضور مجلس ذكر أفضل من صلاة ألف ركعة وحضور مجلس علم أفضل من عيادة ألف مريض وحضور مجلس علم أفضل من شهود ألف جنازة فقيل يا رسول الله ومن قراءة القرآن قال وهل تنفع قراءة القرآن إلا بالعلم [1] وقال عطاء رحمه الله مجلس ذكر يكفر سبعين مجلساً من مجالس اللهو فقد اتخذ المزخرفون هذه الأحاديث حجة على تزكية أنفسهم ونقلوا اسم التذكير إلى خرافاتهم وذهلوا عن طريق الذكر المحمود واشتغلوا بالقصص التي تتطرق إليها الاختلافات والزيادة والنقص وتخرج عن القصص الواردة في القرآن وتزيد عليها فإن من القصص ما ينفع سماعه ومنها ما يضر وإن كان صدقاً
ومن فتح ذلك الباب على نفسه اختلط عليه الصدق بالكذب والنافع بالضار فمن هذا نهي عنه ولذلك قال أحمد بن حنبل رحمة الله ما أحوج الناس إلى قاص صادق فإن كانت القصة من قصص الأنبياء عليهم السلام فيما يتعلق بأمور دينهم وكان القاص صادقاً صحيح الرواية فلست أرى بها بأساً فليحذر الكذب وحكايات أحوال تومىء إلى هفوات أو مساهلات يقصر فهم العوام عن درك معانيها أو عن كونها هفوة نادرة مردفة بتفكيرات متداركة بحسنات تغطي عليها فإن العامي يعتصم بذلك في مساهلاته وهفواته ويمهد لنفسه عذراً فيه ويحتج بأنه حكى كيت وكيت عن بعض المشايخ وبعض الأكابر فكلنا بصدد المعاصي فلا غرو إن عصيت الله تعالى فقد عصاه من هو أكبر مني ويفيده ذلك جراءة على الله تعالى من حيث لا يدري فبعد الاحتراز عن هذين المحذورين فلا بأس به وعند ذلك يرجع إلى القصص المحمودة وإلى ما يشتمل عليه القرآن ويصح في الكتب الصحيحة من الأخبار ومن الناس من يستجيز وضع الحكايات المرغبة في الطاعات ويزعم أن قصده فيها دعوة الخلق إلى الحق فهذه من نزعات الشيطان فإن في الصدق مندوحة عن الكذب وفيما ذكر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم غنية عن الاختراع في الوعظ كيف وقد كره تكلف السجع وعد ذلك من التصنع
قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه عمر وقد سمعه يسجع هذا الذي يبغضك إلي لا قضيت حاجتك أبداً حتى تتوب وقد كان جاءه في حاجة وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رواحة في سجع من ثلاث كلمات إياك والسجع يا ابن رواحة [2] فكأن السجع المحذور المتكلف ما زاد على كلمتين ولذلك لما قال الرجل في دية الجنين كيف ندى من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل ومثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الأعراب (3)
وأما الأشعار فتكثيرها في المواعظ مذموم
قال الله تعالى {والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون} وقال تعالى {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} وأكثر ما اعتاده الوعاظ من الأشعار ما يتعلق بالتواصف في العشق وجمال المعشوق وروح الوصال وألم الفراق والمجلس لا يحوي إلا أجلاف العوام وبواطنهم مشحونة بالشهوات وقلوبهم غير منفكة عن الالتفات إلى الصور المليحة فلا تحرك الأشعار من قلوبهم إلا ما هو مستكن

[1] حديث أبي ذر حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة تقدم في الباب الأول
[2] حديث إياك والسجع يا ابن رواحة لم أجده هكذا ولأحمد وأبي علي وابن السني وأبي نعيم في كتاب الرياضة من حديث عائشة بإسناد صحيح أنها قالت للسائب إياك والسجع فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يسجعون ولابن حبان واجتنب السجع وفي البخاري نحوه من قول ابن عباس
(3) حديث أسجع كسجع الأعراب أخرجه مسلم من حديث المغيرة
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 35
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست