responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 34
عند الله تعالى هو الهوى [1] وعلى التحقيق من تأمل عرف أن عابد الصنم ليس يعبد الصنم وإنما يعبد هواه إذ نفسه مائلة إلى دين آبائه فيتبع ذلك الميل وميل النفس إلى المألوفات أحد المعاني التي يعبر عنها بالهوى ويخرج من هذا التوحيد التسخط على الخلق والالتفات إليهم فإن من يرى الكل من الله عز وجل كيف يتسخط على غيره فلقد كان التوحيد عبارة عن هذا المقام وهو مقام الصديقين فانظر إلى ماذا حول وبأي قشر قنع منه وكيف اتخذوا هذا معتصماً في التمدح والتفاخر بما اسمه محمود مع الإفلاس عن المعنى الذي يستحق الحمد الحقيقي وذلك كإفلاس من يصبح بكرة ويتوجه إلى القبلة ويقول وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وهو أول كذب يفاتح الله به كل يوم إن لم يكن وجه قلبه متوجهاً إلى الله تعالى على الخصوص فإنه إن أراد بالوجه وجه الظاهر فما وجهه إلا إلى الكعبة وما صرفه إلا عن سائر الجهات والكعبة ليست جهة للذي فطر السموات والأرض حتى يكون المتوجه إليها متوجهاً إليه تعالى عن أن تحده الجهات والأقطار
وإن أراد به وجه القلب وهو المطلوب المتعبد به فكيف يصدق في قوله وقلبه متردد في أوطاره وحاجاته الدنيوية ومتصرف في طلب الحيل في جمع الأموال والجاه واستكثار الأسباب ومتوجه بالكلية إليها فمتى وجه وجهه للذي فطر السموات والأرض وهذه الكلمة خبر عن حقيقة التوحيد فالموحد هو الذي لا يرى إلا الواحد ولا يوجه وجهه إلا إليه وهو امتثال قوله تعالى {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} وليس المراد به القول باللسان فإنما اللسان ترجمان يصدق مرة ويكذب أخرى
وإنما موقع نظر الله تعالى المترجم عنه هو القلب وهو معدن التوحيد ومنبعه
اللفظ الرابع الذكر والتذكير فقد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المؤمنين} وقد ورد في الثناء على مجالس الذكر أخبار كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل وما رياض الجنة قال مجالس الذكر [2] وفي الحديث إن لله تعالى ملائكة سياحين في الدنيا سوى ملائكة الخلق إذا رأوا مجالس الذكر ينادي بعضهم بعضا ألا هلموا إلى بغيتكم فيأتونهم ويحفون بهم ويستمعون ألا فاذكروا الله وذكروا أنفسكم [3] فنقل ذلك إلى ما ترى أكثر الوعاظ في هذا الزمان يواظبون عليه وهو القصص والأشعار والشطح والطامات أما القصص فهي بدعة وقد ورد نهي السلف عن الجلوس إلى القصاص وقالوا لم يكن ذلك في زمن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] وَلَا في زمن أبي بكر ولا عمر رضي الله عنهما حتى ظهرت الفتنة وظهر القصاص وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما خرج من المسجد فقال ما أخرجني إلا القاص ولولاه لما خرجت
وقال ضمرة قلت لسفيان الثوري نستقبل القاص بوجوهنا فقال ولوا البدع ظهوركم وقال ابن عون دخلت على ابن سيرين فقال ما كان اليوم من خبر فقلت نهى الأمير القصاص أن يقصوا فقال وفق للصواب
ودخل الأعمش جامع البصرة فرأى قاصاً يقص ويقول حدثنا الأعمش فتوسط الحلقة وجعل ينتف شعر إبطه فقال القاص يا شيخ ألا تستحي فقال لم أنا في سنة وأنت في كذب أنا الأعمش وما حدثتك وقال أحمد أكثر الناس كذباً القصاص والسؤال
وأخرج علي رضي الله عنه القصاص من مسجد جامع البصرة

[1] حديث أبغض إله عبد في الأرض عند الله هو الهوى أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف
[2] حديث إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا الحديث أخرجه الترمذي من حديث أنس وحسنه
[3] حديث إن لله ملائكة سياحين في الهواء سوى ملائكة الخلق الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة دون قوله في الهواء والترمذي سياحين في الأرض وقال مسلم سيارة
[4] حديث لم تكن القصص في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه من حديث عمر بإسناد حسن
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 34
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست