responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 227
على الاخر وَتارَة يخبر عَنْهَا بالتأويب كَقَوْلِه {يَا جبال أوبي مَعَه} وَتارَة يخبر عَنْهَا بالتسبيح الْخَاص بِوَقْت دون وَقت كالعشى والاشراق أفترى دلالتها على صانعها إِنَّمَا يكون فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ فبطلان هَذَا القَوْل اظهر لِذَوي البصائر من ان يطلبوا دَلِيلا على بُطْلَانه وَالْحَمْد لله
فصل ثمَّ تَأمل حكمته سُبْحَانَهُ فِي إبداع الْعَجم والنوى فِي جَوف الثَّمَرَة وَمَا
فِي ذَلِك من الحكم والفوائد الَّتِي مِنْهَا انه كالعظم لبدن الْحَيَوَان فَهُوَ يمسك بصلابته رخاوة الثَّمَرَة ورقتها ولطافتها وَلَوْلَا ذَلِك لشدخت وتفسخت ولأسرع اليها الْفساد فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْعظم ولاثمرة بِمَنْزِلَة اللَّحْم الَّذِي يكسوه الله عز وَجل الْعِظَام وَمِنْهَا ان فِي ذَلِك بَقَاء الْمَادَّة وحظفها إِذْ رُبمَا تعطلت الشَّجَرَة اَوْ نوعها فخلق فِيهَا مَا يقوم مقَامهَا عِنْد تعطلها وَهُوَ النَّوَى الَّذِي يغْرس فَيَعُود مثلهَا وَمِنْهَا مَا فِي تِلْكَ الْحُبُوب من أقوات الْحَيَوَانَات وَمَا فِيهَا من الْمَنَافِع والادهان والادوية والاصباغ وضروب اخر من الْمصَالح الَّتِي يتعلمها النَّاس وَمَا خَفِي عَلَيْهِم مِنْهَا اكثر فَتَأمل الْحِكْمَة فِي اخراجه سُبْحَانَهُ هَذِه الْحُبُوب لمنافع فِيهَا وكسوتها لَحْمًا لذيذا شهيا يتكفه بِهِ ابْن آدم ثمَّ تَأمل هَذِه الْحِكْمَة البديعة فِي ان جعل للثمرة الرقيقة اللطيفة الَّتِي يُفْسِدهَا الْهَوَاء وَالشَّمْس غلافا يحفظها وغشاء يواريها كالرمان والجوز واللوز وَنَحْوه وَأما مَالا يفْسد إِذا كَانَ بارزا فَجعل لَهُ اول خُرُوجه غشاء يواريه لضَعْفه ولقلة صبره على الْحر فَإِذا اشْتَدَّ وقوى تفتق عَن ذَلِك الغشاء وضحى للشمس والهواء كطلع النّخل وَغَيره
فصل ثمَّ تَأمل خلقه الرُّمَّان وماذا فِيهِ من الحكم والعجائب فَإنَّك ترى دَاخل
الرمانة كأمثال القلال شحما متراكما فِي نَوَاحِيهَا وَترى ذَلِك الْحبّ فِيهَا مرصوفا رصفا ومنضودا نضدا لاتمكن الايدي ان تنضده وَترى الْحبّ مقسوما اقساما وفرقا وكل قسم وَفرْقَة مِنْهُ ملفوفا بلفائف وحجب منسوجة اعْجَبْ نسج والطفه وأدقه على غير منوال الا منوال {كن فَيكون} ثمَّ ترى الْوِعَاء الْمُحكم الصلب قد اشْتَمَل على ذلككله وضمه احسن ضم فَتَأمل هَذِه الْحِكْمَة البديعة فِي الشَّحْم الْمُودع فِيهَا فَإِن الْحبّ لَا يمد بعضه بَعْضًا إِذْ لَو مد بعضه بَعْضًا لاختلط وَصَارَ حَبَّة وَاحِدَة فَجعل ذَلِك الشَّحْم خلاله ليمده بالغذاء وَالدَّلِيل عَلَيْهِ انك ترى اصول الْحبّ مركوزة فِي ذَلِك الشَّحْم وَهَذَا بِخِلَاف حب الْعِنَب فَإِنَّهُ اسْتغنى عَن ذَلِك بَان جعل لكل حَبَّة مجْرى تشرب مِنْهُ فَلَا تشرب حق اختها بل يجرى الْغذَاء فِي ذَلِك الْعرق مجْرى وَاحِدًا ثمَّ يَنْقَسِم مِنْهُ فِي مجاري الْحُبُوب كلهَا فينبعث مِنْهُ فِي كل مجْرى غذَاء تِلْكَ

اسم الکتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 227
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست