responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 79
وَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ عِنْدَهُمْ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا وَبِالشَّاهِدَيْنِ، وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَالْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ.
قَالُوا: وَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ فَمِثَالُهَا: أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ حَائِزًا لِدَارٍ، مُتَصَرِّفًا فِيهَا السِّنِينَ الطَّوِيلَةَ بِالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ وَالْإِجَارَةٍ وَالْعِمَارَةِ، وَيَنْسُبُهَا إلَى نَفْسِهِ، وَيُضِيفُهَا إلَى مِلْكِهِ، وَإِنْسَانٌ حَاضِرٌ يَرَاهُ وَيُشَاهِدُ أَفْعَالَهُ فِيهَا طُولَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُهُ فِيهَا، وَلَا يَذْكُرُ أَنَّهُ لَهُ فِيهَا حَقًّا، وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُهُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ كَخَوْفٍ مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ الْمَانِعِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِالْحُقُوقِ، وَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَصَرِّفِ فِي الدَّارِ قَرَابَةَ، وَلَا شَرِكَةَ فِي مِيرَاثٍ، أَوْ مَا شِبْهُ ذَلِكَ مِمَّا تَتَسَامَحُ فِيهِ الْقَرَابَاتُ وَالصِّهْرُ بَيْنَهُمْ، بَلْ كَانَ عُرْيًا مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ. ثُمًّ جَاءَ بَعْدَ طُولِ هَذِهِ الْمُدَّةِ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ، وَيَزْعُمُ أَنَّهَا لَهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يُقِيمَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً.
فَدَعْوَاهُ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ أَصْلًا، فَضْلًا عَنْ بَيِّنَتِهِ وَتَبْقَى الدَّارُ بِيَدِ حَائِزِهَا، لِأَنَّ كُلَّ دَعْوَى يُكَذِّبُهَا الْعُرْفُ وَتَنْفِيهَا الْعَادَةُ فَإِنَّهَا مَرْفُوضَةٌ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] ، وَقَدْ أَوْجَبَتْ الشَّرِيعَةُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الدَّعَاوَى، كَالنَّقْدِ وَالْحُمُولَةِ وَالسَّيْرِ، وَفِي الْأَبْنِيَةِ وَمَعَاقِدِ الْقُمُطِ، وَوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَالُوا: وَمِثْلُ ذَلِكَ: أَنْ تَأْتِيَ الْمَرْأَةُ بَعْدَ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةٍ تَدَّعِي عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ لَمْ يَكْسُهَا فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ، وَلَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا شَيْئًا.
فَهَذِهِ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ لِتَكْذِيبِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لَهَا، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً وَالزَّوْجُ مُوسِرٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي رَدِّهِ عَلَى الْمُزَنِيِّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ: أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، دُونَ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا عِلْمٌ بِمُخَالَطَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ مُعَامَلَةٍ.
قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ: أَوْ تَكُونُ الدَّعْوَى تَلِيقُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لَا يَتَنَاكَرُهَا النَّاسُ، وَلَا يَنْفِيهَا عُرْفٌ. قَالَ: وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْيَمِينِ يَصْعُبُ، وَيَثْقُلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، سِيَّمَا عَلَى أَهْلِ الدِّينِ وَذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالْأَقْدَارِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُعْتَادٌ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ، لَا يُمْكِنُ جَحْدُهُ.
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُمْ افْتَدَوْا أَيْمَانَهُمْ، مِنْهُمْ: عُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِمُرُوءَتِهِمْ، وَلِئَلَّا تَسْبِقَ الظَّلَمَةُ إلَيْهِمْ إذَا حَلَفُوا، فَمَنْ يُعَادِي الْحَالِفَ، وَيُحِبُّ الطَّعْنَ

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 79
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست