responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 98
قَالُوا: وَالْقَاذِفُ فَاسِقٌ بِقَذْفِهِ، حُدَّ أَوْ لَمْ يُحَدَّ، فَكَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي حَالِ فِسْقِهِ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بَعْدَ زَوَالِ فِسْقِهِ؟ قَالُوا: وَلَا عَهْدَ لَنَا فِي الشَّرِيعَةِ بِذَنْبٍ وَاحِدٍ أَصْلًا يُتَابُ مِنْهُ وَيَبْقَى أَثَرُهُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ مِنْ رَدِّ الشَّهَادَةِ، وَهَلْ هَذَا إلَّا خِلَافُ الْمَعْهُودِ مِنْهَا، وَخِلَافُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» ؟ وَعِنْدَ هَذَا فَيُقَالُ: تَوْبَتُهُ مِنْ الْقَذْفِ تُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يَقْذِفْ، فَيَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ، أَوْ كَمَا قَالُوا. قَالَ الْمَانِعُونَ: الْقَذْفُ مُتَضَمِّنٌ لِلْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ مِنْ أَوْفَى الْجَرَائِمَ، فَنَاسَبَ تَغْلِيظَ الزَّجْرِ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الزَّجْرِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إيلَامِ الْقَلْبِ وَالنِّكَايَةِ فِي النَّفْسِ؛ إذْ هُوَ عَزْلٌ لِوِلَايَةِ لِسَانِهِ الَّذِي اسْتَطَالَ بِهِ عَلَى عِرْضِ أَخِيهِ، وَإِبْطَالٌ لَهَا، ثُمَّ هُوَ عُقُوبَةٌ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ بِلِسَانِهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْعُقُوبَةِ فِيهِ، وَقَدْ رَأَيْنَا الشَّارِعَ قَدْ اعْتَبَرَ هَذَا حَيْثُ قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ، فَإِنَّهُ حَدٌّ مَشْرُوعٌ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ؛ وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ عُقُوبَةَ الزَّانِي بِقَطْعِ الْعُضْوِ الَّذِي جَنَى بِهِ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ عُضْوٌ خَفِيٌّ مَسْتُورٌ لَا تَرَاهُ الْعُيُونُ، فَلَا يَحْصُلُ الِاعْتِبَارُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَدِّ بِقَطْعِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى إبْطَالِ آلَاتِ التَّنَاسُلِ وَانْقِطَاعِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ.
الثَّالِثُ: أَنَّ لَذَّةَ الْبَدَنِ جَمِيعَهُ بِالزِّنَا كَلَذَّةِ الْعُضْوِ الْمَخْصُوصِ، فَاَلَّذِي نَالَ الْبَدَنَ مِنْ اللَّذَّةِ الْمُحَرَّمَةِ مِثْلُ مَا نَالَ الْفَرْجَ، وَلِهَذَا كَانَ حَدُّ الْخَمْرِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ قَطْعَ هَذَا الْعُضْوِ مُفْضٍ إلَى الْهَلَاكِ، وَغَيْرُ الْمُحْصَنِ لَا تَسْتَوْجِبُ جَرِيمَتُهُ الْهَلَاكَ، وَالْمُحْصَنُ إنَّمَا يُنَاسِبُ جَرِيمَتَهُ أَشْنَعُ الْقِتْلَاتِ، وَلَا يُنَاسِبُهَا قَطْعُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَافْتَرَقَا.
قَالُوا: وَأَمَّا قَبُولُ شَهَادَتِهِ قَبْلَ الْحَدِّ وَرَدِّهَا بَعْدَهُ فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ جُعِلَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَتَكْمِلَتِهِ؛ فَهُوَ كَالصِّفَةِ وَالتَّتِمَّةِ لِلْحَدِّ؛ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ يُنْقِصُ عِنْدَ النَّاسِ، وَتَقِلُّ حُرْمَتُهُ، وَهُوَ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ قَائِمٌ الْحُرْمَةَ غَيْرُ مُنْتَهِكِهَا.
قَالُوا: وَأَمَّا التَّائِبُ مِنْ الزِّنَا وَالْكُفْرِ وَالْقَتْلِ فَإِنَّمَا قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ لِأَنَّ رَدَّهَا كَانَ نَتِيجَةَ الْفِسْقِ، وَقَدْ زَالَ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ رَدَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ، فَافْتَرَقَا. قَالَ الْقَابِلُونَ: تَغْلِيظُ الزَّجْرِ لَا ضَابِطَ لَهُ، وَقَدْ حَصَلَتْ مَصْلَحَةُ الزَّجْرِ بِالْحَدِّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْجَرَائِمِ جَعَلَ الشَّارِعُ مَصْلَحَةَ الزَّجْرِ عَلَيْهَا بِالْحَدِّ، وَإِلَّا فَلَا تَطْلُقُ نِسَاؤُهُ، وَلَا يُؤْخَذُ مَالُهُ، وَلَا يُعْزَلُ عَنْ مَنْصِبِهِ، وَلَا تَسْقُطُ رِوَايَتُهُ، لِأَنَّهُ أَغْلَظُ فِي الزَّجْرِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَتَغْلِيظُ الزَّجْرِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُنْتَشِرَةِ الَّتِي لَا

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 98
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست