responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 97
أَهْلُ الْعِرَاقِ فَيَأْخُذُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا تُقْبَلَ أَبَدًا، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ إنَّمَا تَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ فِيمَا نَرَى، وَاَلَّذِينَ لَا يَقْبَلُونَهَا يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى انْقَطَعَ مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] فَجَعَلُوا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْفِسْقِ خَاصَّةً دُونَ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَتَأَوَّلُوا أَنَّ الْكَلَامَ تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضًا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ فَقَالَ: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] فَانْتَظَمَ الِاسْتِثْنَاءُ كُلَّ مَا كَانَ قَبْلَهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْقَوْلُ الْمَعْمُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِهِ أَكْثَرُ وَهُوَ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ، وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ بِالشَّيْءِ أَكْثَرَ مِنْ الْفِعْلِ، وَلَيْسَ يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِي الزَّانِي الْمَجْلُودِ أَنَّ شَهَادَتَهُ مَقْبُولَةٌ إذَا تَابَ. قَالُوا: وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ إذَا تَابَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] ثُمَّ قَالَ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] فَمَنْ تَابَ وَأَصْلَحَ فَشَهَادَتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تُقْبَلُ، وَقَالَ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلَا يَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ؟ ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْهُ: إذَا فَرَغَ مِنْ ضَرْبِهِ فَأَكْذَبَ نَفْسَهُ وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.
قَالُوا: وَأَمَّا تِلْكَ الْآثَارُ الَّتِي رَوَيْتُمُوهَا فَفِيهَا ضَعْفٌ؛ فَإِنَّ آدَمَ بْنَ فَائِدٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَرُوَاتَهُ عَنْ عُمَرَ قِسْمَانِ: ثِقَاتٌ، وَضُعَفَاءُ، فَالثِّقَاتُ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ " أَوْ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ " وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الضُّعَفَاءُ كَالْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ وَآدَمَ وَالْحَجَّاجِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِيهِ يَزِيدُ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ لَحُمِلَتْ عَلَى غَيْرِ التَّائِبِ، فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَقَدْ قُبِلَ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.
قَالُوا: وَأَعْظَمُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ الْكُفْرُ وَالسَّحَرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالزِّنَا، وَلَوْ تَابَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ اتِّفَاقًا؛ فَالتَّائِبُ مِنْ الْقَذْفِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ. قَالُوا: وَأَيْنَ جِنَايَةُ قَتْلِهِ مِنْ قَذْفِهِ؟ قَالُوا: وَالْحَدُّ يَدْرَأُ عَنْهُ عُقُوبَةَ الْآخِرَةِ، وَهُوَ طُهْرَةٌ لَهُ؛ فَإِنَّ الْحُدُودَ طُهْرَةٌ لِأَهْلِهَا، فَكَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا لَمْ يَتَطَهَّرْ بِالْحَدِّ وَيُرَدُّ أَطْهَرَ مَا يَكُونُ؟ فَإِنَّهُ بِالْحَدِّ وَالتَّوْبَةِ قَدْ يَطْهُرُ طُهْرًا كَامِلًا. قَالُوا: وَرَدُّ الشَّهَادَةِ بِالْقَذْفِ إنَّمَا هُوَ مُسْتَنِدٌ إلَى الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَقِيبَ هَذَا الْحُكْمِ، وَهِيَ الْفِسْقُ، وَقَدْ ارْتَفَعَ الْفِسْقُ بِالتَّوْبَةِ، وَهُوَ سَبَبُ الرَّدِّ؛ فَيَجِبُ ارْتِفَاعُ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْعُ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 97
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست