responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 265
عَمَلِ السُّوءِ، وَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ قَدْ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا بِالْهَمِّ وَالْحُزْنِ وَالْمَرَضِ وَالنَّصَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَصَائِبِهَا، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ تَقْيِيدُ الْجَزَاءِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ فَهِمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] أَنَّهُ ظُلْمُ النَّفْسِ بِالْمَعَاصِي، وَبَيَّنَ أَنَّهُ الشِّرْكُ، وَذَكَرَ قَوْلَ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] مَعَ أَنَّ سِيَاقَ اللَّفْظِ عِنْدَ إعْطَائِهِ حَقَّهُ مِنْ التَّأَمُّلِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - لَمْ يَقُلْ وَلَمْ يَظْلِمُوا أَنْفُسَهُمْ، بَلْ قَالَ: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] وَلُبْسُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ تَغْطِيَتُهُ لَهُ وَإِحَاطَتُهُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَلَا يُغَطِّي الْإِيمَانَ وَيُحِيطُ بِهِ وَيَلْبَسُهُ إلَّا الْكُفْرُ، وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81] فَإِنَّ الْخَطِيئَةَ لَا تُحِيطُ بِالْمُؤْمِنِ أَبَدًا، فَإِنَّ إيمَانَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ إحَاطَةِ الْخَطِيئَةِ بِهِ، وَمَعَ أَنَّ سِيَاقَ قَوْلِهِ: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 81] ثُمَّ حَكَمَ اللَّهِ أَعْدَلَ حُكْمٍ وَأَصْدَقَهُ أَنَّ مَنْ آمَنَ وَلَمْ يَلْبِسْ إيمَانَهُ بِظُلْمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ وَالْهُدَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الظُّلْمَ الشِّرْكُ.
«وَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ الْكَلَالَةِ وَرَاجَعَهُ فِيهَا مِرَارًا، فَقَالَ: تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ، وَاعْتَرَفَ عُمَرُ بِأَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ فَهْمُهَا وَفَهِمَهَا الصِّدِّيقُ» ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» فَفَهِمَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْ نَهْيِهِ أَنَّهُ لِكَوْنِهَا لَمْ تُخَمَّسْ وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّهْيَ لِكَوْنِهَا كَانَتْ حَمُولَةَ الْقَوْمِ وَظَهْرَهُمْ، وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لِكَوْنِهَا كَانَتْ جَوَّالَ الْقَرْيَةِ، وَفَهِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ - وَكِبَارُ الصَّحَابَةِ مَا قَصَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّهْيِ وَصَرَّحَ بِعِلَّتِهِ مِنْ كَوْنِهَا رِجْسًا.
وَفَهِمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] جَوَازَ الْمُغَالَاةِ فِي الصَّدَاقِ فَذَكَرَتْهُ لِعُمَرَ فَاعْتَرَفَ بِهِ، وَفَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] مَعَ قَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَلِدُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَفْهَمْهُ عُثْمَانُ فَهَمَّ بِرَجْمِ امْرَأَةٍ وَلَدَتْ لَهَا حَتَّى ذَكَّرَهُ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَقَرَّ بِهِ.
وَلَمْ يَفْهَمْ عُمَرُ مِنْ قَوْلِهِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةِ حَتَّى بَيَّنَ لَهُ الصِّدِّيقُ فَأَقَرَّ بِهِ.
وَفَهِمَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [المائدة: 93] رَفْعَ الْجُنَاحِ عَنْ الْخَمْرِ حَتَّى بَيَّنَ لَهُ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَمْرَ، وَلَوْ تَأَمَّلَ سِيَاقَ الْآيَةِ لَفَهِمَ الْمُرَادَ مِنْهَا، فَإِنَّهُ إنَّمَا رَفْعُ الْجُنَاحِ عَنْهُمْ فِيمَا طَعِمُوهُ مُتَّقِينَ لَهُ فِيهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِاجْتِنَابِ مَا حَرَّمَهُ مِنْ الْمَطَاعِمِ، فَالْآيَةُ لَا تَتَنَاوَلُ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 265
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست