responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 264
وَهَذِهِ الْفُصُولُ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَهَمِّ فُصُولِ الْكِتَابِ، وَبِهَا يَتَبَيَّنُ لِلْعَالِمِ الْمُنْصِفِ مِقْدَارُ الشَّرِيعَةِ وَجَلَالَتُهَا وَهَيْمَنَتُهَا وَسِعَتُهَا وَفَضْلُهَا وَشَرَفُهَا عَلَى جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ عَامُّ الرِّسَالَةِ إلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ فَرِسَالَتُهُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَدَقِيقِهِ وَجَلِيلِهِ، فَكَمَا لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ عَنْ رِسَالَتِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ حُكْمٌ تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأُمَّةُ عَنْهَا وَعَنْ بَيَانِهِ لَهُ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّا لَا نُوفِي هَذِهِ حَقَّهَا وَلَا نُقَارِبُ، وَأَنَّهَا أَجَلُّ مِنْ عُلُومِنَا وَفَوْقَ إدْرَاكِنَا، وَلَكِنْ نُنَبِّهُ أَدْنَى تَنْبِيهٍ وَنُشِيرُ أَدْنَى إشَارَةٍ إلَى مَا يَفْتَحُ أَبْوَابَهَا وَيَنْهَجُ طُرُقَهَا، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ:
[شُمُولُ النُّصُوصِ وَإِغْنَاؤُهَا عَنْ الْقِيَاسِ]
فِي شُمُولِ النُّصُوصِ وَإِغْنَائِهَا عَنْ الْقِيَاسِ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِ مُقَدَّمَةٍ، وَهِيَ أَنَّ دَلَالَةَ النُّصُوصِ نَوْعَانِ: حَقِيقِيَّةٌ، وَإِضَافِيَّةٌ، فَالْحَقِيقِيَّةُ تَابِعَةٌ لِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ وَإِرَادَتِهِ، وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ لَا تَخْتَلِفُ، وَالْإِضَافِيَّةُ تَابِعَةٌ لِفَهْمِ السَّامِعِ وَإِدْرَاكِهِ، وَجَوْدَةِ فِكْرِهِ وَقَرِيحَتِهِ، وَصَفَاءِ ذِهْنِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِالْأَلْفَاظِ وَمَرَاتِبِهَا، وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا بِحَسَبِ تَبَايُنِ السَّامِعِينَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَحْفَظَ الصَّحَابَةِ لِلْحَدِيثِ وَأَكْثَرَهُمْ رِوَايَةً لَهُ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَفْقَهَ مِنْهُمَا، بَلْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَفْقَهُ مِنْهُمَا وَمِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَدْ أَنْكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عُمَرَ فَهْمَهُ إتْيَانَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ: " إنَّكَ سَتَأْتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ " فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا اللَّفْظِ عَلَى تَعْيِينِ الْعَامِ الَّذِي يَأْتُونَهُ فِيهِ، وَأَنْكَرَ عَلَى عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَهْمَهُ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ نَفْسَ الْعِقَالَيْنِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلَةٍ مِنْ كِبْرٍ» شُمُولَ لَفْظِهِ لِحُسْنِ الثَّوْبِ وَحُسْنِ النَّعْلِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ " بَطْرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ".
وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» أَنَّهُ كَرَاهَةُ الْمَوْتِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ هَذَا لِلْكَافِرِ إذَا اُحْتُضِرَ وَبُشِّرَ بِالْعَذَابِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكْرَهُ لِقَاءَ اللَّهِ، وَاَللَّهُ يَكْرَهُ لِقَاءَهُ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا اُحْتُضِرَ وَبُشِّرَ بِكَرَامَةِ اللَّهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ.
وَأَنْكَرَ عَلَى عَائِشَةَ إذْ فَهِمَتْ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] مُعَارَضَتَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ " وَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ الْحِسَابَ الْيَسِيرَ هُوَ الْعَرْضُ، أَيْ حِسَابُ الْعَرْضِ لَا حِسَابُ الْمُنَاقَشَةِ.
وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ فَهِمَ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ إنَّمَا هُوَ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 264
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست