responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 190
[فَصْلٌ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ بِالْقِيَاسِ بَلْ نَهَى عَنْهُ]
وَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَدَعْ أُمَّتَهُ إلَى الْقِيَاسِ قَطُّ، بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى عُمَرَ وَأُسَامَةَ مَحْضَ الْقِيَاسِ فِي شَأْنِ الْحُلَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَرْسَلَ بِهِمَا إلَيْهِمَا فَلَبِسَهَا أُسَامَةُ قِيَاسًا لِلُّبْسِ عَلَى التَّمَلُّكِ وَالِانْتِفَاعِ وَالْبَيْعِ وَكِسْوَتِهَا لِغَيْرِهِ، وَرَدَّهَا عُمَرُ قِيَاسًا لِتَمَلُّكِهَا عَلَى لُبْسِهَا، فَأُسَامَةُ أَبَاحَ، وَعُمَرُ حَرَّمَ قِيَاسًا، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِيَاسَيْنِ، «وَقَالَ لِعُمَرَ: إنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إلَيْكَ لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا» ، «وَقَالَ لِأُسَامَةَ إنِّي لَمْ أَبْعَثْهَا إلَيْكَ لِتَلْبِسَهَا، وَلَكِنْ بَعَثْتُهَا إلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُرًا لِنِسَائِكَ» ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فِي الْحَرِيرِ بِالنَّصِّ عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِهِ فَقَطْ، فَقَاسَا قِيَاسًا أَخْطَأ فِيهِ، فَأَحَدُهُمَا قَاسَ اللُّبْسَ عَلَى الْمِلْكِ، وَعُمَرُ قَاسَ التَّمَلُّكَ عَلَى اللُّبْسِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ أَنَّ مَا حَرَّمَهُ مِنْ اللُّبْسِ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَمَا أَبَاحَهُ مِنْ التَّمَلُّكِ لَا يَتَعَدَّى إلَى اللُّبْسِ، وَهَذَا عَيْنُ إبْطَالِ الْقِيَاسِ.
وَصَحَّ عَنْهُ مَا رَوَاهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، إنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» ، وَهَذَا الْخِطَابُ كَمَا يَعُمُّ أَوَّلُهُ لِلصَّحَابَةِ وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ فَهَكَذَا آخِرُهُ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَبْحَثَ عَمَّا سَكَتَ عَنْهُ لِيُحَرِّمَهُ أَوْ يُوجِبَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، أَعْظَمُهَا فِتْنَةً عَلَى أُمَّتِي قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ، وَيُحَرِّمُونَ الْحَلَالَ» . قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ إلَّا جَرِيرَ بْنَ عُثْمَانَ فَإِنَّهُ كَانَ مُنْحَرِفًا عَنْ عَلِيٍّ، وَمَعَ هَذَا فَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ الِانْحِرَافِ عَنْ عَلِيٍّ، وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ إمَامٌ جَلِيلٌ، وَكَانَ سَيْفًا عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صِحَّةٌ تَقْرُبُ مِنْ التَّوَاتُرِ أَنَّهُ قَالَ «، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأَتَوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ، فَتَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَمَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 190
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست