responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 150
الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَإِلْحَاقِ النَّظِيرِ بِنَظِيرِهِ، وَاعْتِبَارِ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ، وَعَدَمِ تَسْوِيَةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَشَرِيعَتُهُ - سُبْحَانَهُ - مُنَزَّهَةٌ أَوْ تَنْهَى عَنْ شَيْءٍ لِمَفْسَدَةٍ فِيهِ، ثُمَّ تُبِيحُ مَا هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ أَوْ مِثْلِهَا أَوْ أَزِيدَ مِنْهَا، فَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَى الشَّرِيعَةِ فَمَا عَرَفَهَا حَقَّ مَعْرِفَتِهَا؛ وَلَا قَدَّرَهَا حَقَّ قَدْرِهَا وَكَيْفَ يُظَنُّ بِالشَّرِيعَةِ أَنَّهَا تُبِيحُ شَيْئًا لِحَاجَةِ الْمُكَلَّفِ إلَيْهِ وَمَصْلَحَتِهِ ثُمَّ تُحَرِّمُ مَا هُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ وَالْمَصْلَحَةُ فِي إبَاحَتِهِ أَظْهَرُ، وَهَذَا مِنْ أَمْحَلْ الْمُحَالِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يُشَرِّعَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْحِيَلِ مَا يَسْقُطُ بِهِ مَا أَوْجَبَهُ، أَوْ يُبِيحَ بِهِ مَا حَرَّمَهُ، وَلَعَنَ فَاعِلَهُ، وَآذَنَهُ بِحَرْبِهِ وَحَرْبِ رَسُولِهِ، وَشَدَّدَ فِيهِ الْوَعِيدَ؛ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُسَوِّغُ التَّوَصُّلَ إلَيْهِ بِأَدْنَى حِيلَةٍ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ اعْتَمَدَ هَذَا فِيمَا يَحْمِيهِ مِنْهُ الطَّبِيبُ وَيَمْنَعُهُ مِنْهُ لَكَانَ مُعِينًا عَلَى نَفْسِهِ، سَاعِيًا فِي ضَرَرِهِ، وَعُدَّ سَفِيهًا مُفْرِطًا، وَقَدْ فَطَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عِبَادَهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّظِيرِ حُكْمُ نَظِيرِهِ، وَحُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ، وَعَلَى إنْكَارِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَعَلَى إنْكَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ، وَالْعَقْلُ وَالْمِيزَانُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - شَرْعًا وَقَدْرًا يَأْبَى ذَلِكَ.
[يَكُونُ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَمِثَالِهِ]
وَلِذَلِكَ كَانَ الْجَزَاءُ مُمَاثِلًا لِلْعَمَلِ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَذَلَ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ نُصْرَتُهُ فِيهِ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ نُصْرَتُهُ فِيهِ، وَمَنْ سَمَحَ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ، وَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ، وَمَنْ أَنْفَقَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَوْعَى أَوْعَى عَلَيْهِ، وَمَنْ عَفَا عَنْ حَقِّهِ عَفَا اللَّهُ لَهُ عَنْ حَقِّهِ، وَمَنْ تَجَاوَزَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ اسْتَقْصَى اسْتَقْصَى اللَّهُ عَلَيْهِ؛ فَهَذَا شَرْعُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ وَوَحْيُهُ وَثَوَابُهُ وَعِقَابُهُ كُلُّهُ قَائِمٌ بِهَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ إلْحَاقُ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ، وَاعْتِبَارُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ، وَلِهَذَا يَذْكُرُ الشَّارِعُ الْعِلَلَ وَالْأَوْصَافَ الْمُؤَثِّرَةَ وَالْمَعَانِيَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْأَحْكَامِ الْقَدَرِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْجَزَائِيَّةِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهَا أَيْنَ وُجِدَتْ، وَاقْتِضَائِهَا لِأَحْكَامِهَا، وَعَدَمِ تَخَلُّفِهَا عَنْهَا إلَّا لِمَانِعٍ يُعَارِضُ اقْتِضَاءَهَا وَيُوجِبُ تَخَلُّفُ أَثَرِهَا عَنْهَا، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: 13] وَقَوْلِهِ: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} [غافر: 12] {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [الجاثية: 35] {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر: 75]

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 150
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست