responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 149
وَالنُّورُ يُعَبَّرُ بِالْهُدَى، وَالظُّلْمَةُ بِالضَّلَالِ.
وَمِنْ هَا هُنَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِحَابِسِ بْنِ سَعْدٍ الطَّائِيِّ وَقَدْ وَلَّاهُ الْقَضَاءَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي رَأَيْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَقْتَتِلَانِ، وَالنُّجُومَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَعَ أَيِّهِمَا كُنْتَ؟ قَالَ: مَعَ الْقَمَرِ عَلَى الشَّمْسِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ الْآيَةِ الْمَمْحُوَّةِ، اذْهَبْ فَلَسْتَ تَعْمَلُ لِي عَمَلًا، وَلَا تُقْتَلُ إلَّا فِي لَبْسٍ مِنْ الْأَمْرِ، فَقُتِلَ يَوْمَ صِفِّينَ، وَقِيلَ لِعَابِرٍ: رَأَيْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَخَلَا فِي جَوْفِي، فَقَالَ: تَمُوتُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} [القيامة: 7] {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8] {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة: 9] {يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة: 10] .
وَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ سِيرِينَ: رَأَيْتُ مَعِي أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةِ خُبْزٍ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: تَمُوتُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا} [الفرقان: 45] {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان: 46] . وَأَخَذَ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ حَمَلَ رِزْقَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ لَهُ آخَرُ: رَأَيْتُ كِيسِي مَمْلُوءًا أَرَضَةً، فَقَالَ: أَنْتَ مَيِّتٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ} [سبأ: 14] وَالنَّخْلَةُ تَدُلُّ عَلَى الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَعَلَى الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَالْحَنْظَلَةُ تَدُلُّ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ، وَالصَّنَمُ يَدُلُّ عَلَى الْعَبْدِ السُّوءِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ، وَالْبُسْتَانُ يَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ، وَاحْتِرَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى حُبُوطِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَمْثَالِ الْقُرْآنِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَنْقُضُ غَزْلًا أَوْ ثَوْبًا لِعَبِيدِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً فَإِنَّهُ يَنْقُضُ عَهْدًا وَيَنْكُثُهُ، وَالْمَشْيُ سَوِيًّا فِي طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِقَامَتِهِ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالْأَخْذُ فِي بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ يَدُلُّ عَلَى عُدُولِهِ عَنْهُ إلَى مَا خَالَفَهُ، وَإِذَا عَرَضَتْ لَهُ طَرِيقَانِ ذَاتُ يَمِينٍ وَذَاتُ شِمَالٍ فَسَلَكَ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَظُهُورُ عَوْرَةِ الْإِنْسَانِ لَهُ ذَنْبٌ يَرْتَكِبُهُ وَيَفْتَضِحُ بِهِ، وَهُرُوبُهُ وَفِرَارُهُ مِنْ شَيْءٍ نَجَاةٌ وَظَفَرٌ، وَغَرَقُهُ فِي الْمَاءِ فِتْنَةٌ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَتَعَلُّقُهُ بِحَبْلٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ تَمَسُّكُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَعَهْدِهِ وَاعْتِصَامُهُ بِحَبْلِهِ، فَإِنْ انْقَطَعَ بِهِ فَارَقَ الْعِصْمَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيَ أَمْرًا فَإِنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ.
فَالرُّؤْيَا أَمْثَالٌ مَضْرُوبَةٌ يَضْرِبُهَا الْمَلَكُ الَّذِي قَدْ وَكَّلَهُ اللَّهُ بِالرُّؤْيَا لِيَسْتَدِلَّ الرَّائِي بِمَا ضُرِبَ بِهِ مِنْ الْمِثْلِ عَلَى نَظِيرِهِ، وَيُعَبَّرُ مِنْهُ إلَى شَبَهِهِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ تَأْوِيلُهَا تَعْبِيرًا، وَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنْ الْعُبُورِ، كَمَا أَنَّ الِاتِّعَاظَ يُسَمَّى اعْتِبَارًا وَعِبْرَةً لِعُبُورِ الْمُتَّعِظِ مِنْ النَّظِيرِ إلَى نَظِيرِهِ، وَلَوْلَا أَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ وَحُكْمُ النَّظِيرِ حُكْمُ نَظِيرِهِ لَبَطَلَ هَذَا التَّعْبِيرُ وَالِاعْتِبَارُ، وَلَمَا وُجِدَ إلَيْهِ سَبِيلٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ الْأَمْثَالَ لِعِبَادِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَأَمَرَ بِاسْتِمَاعِ أَمْثَالِهِ، وَدَعَا عِبَادَهُ إلَى تَعَقُّلِهَا، وَالتَّفْكِيرِ فِيهَا، وَالِاعْتِبَارِ بِهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا.

[تَسْوِيَة الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ]
[فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ]
وَأَمَّا أَحْكَامُهُ الْأَمْرِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فَكُلُّهَا هَكَذَا، تَجِدُهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ

اسم الکتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 149
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست