responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 163
خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات، وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابهما وشروطهما وبين أن يكون صحيحا شبعان، وبين أن يعرف حد السكر وأنه عبارة عن حالة تحصل عن استيلاء أبخرة تتصاعد من المعدة إلى معادن الفكر وبين أن يكون سكرانا بل السكران لا يعرف حد السكر وأركانه وهو سكران وما معه من علمه شيء، والطبيب يعرف حد السكر وأركانه وما معه من السكر شيء، والطبيب في حالة المرض يعرف حد الصحة وأدويتها وهو فاقد الصحة.
فكذلك الفرق بين من يعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها وبين من هو يكون حالة الزهد عزوف النفس عن الدنيا، فعلمت يقينا أنهم أرباب أحوال لا أصحاب أقوال وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم قد حصلته.
ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالتعلم والسماع بل بالذوق والسلوك وكان قد حصل معي من العلوم التي مارستها، والمسالك التي سلكتها في تفتيشي عن صنفي العلوم الشرعية والعقلية إيمان يقيني بالله تعالى وبالنبوة وباليوم الآخر.
وهذه الأصول الثلاثة كانت رسخت في نفسي بلا دليل محرر بل بأسباب وقرائن وتجارب لا تدخل تحت الحصر تفاصيلها، وكان قد ظهر عندي أنه لا مطمع في سعادة الآخرة إلا بالتقوى وكف النفس عن الهوى، وإن رأس ذلك كله قطع علاقة القلب عن الدنيا، والتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى، وإن ذلك لا يتم إلا بالإعراض عن الجاه والمال.
وذكر حاله في خروجه عن ذلك ومجيئه إلى الشام ثم الحجاز.
إلى أن قال: وانكشف لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها والقدر الذي أذكره لينتفع به أني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطرق الله تعالى الخاصة وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشريعة من العلماء ليغيروا شيئا من سيرتهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلا، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في باطنهم وظاهرهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة، فليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به.
إلى أن قال: وممّا بان لي بالضرورة من ممارسة طريقهم حقيقة النبوة وخاصتها.
ثم تكلم في حقيقة النبوة واضطرار كافة الخلق إليها، فقال: اعلم أن جوهر

اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 163
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست