اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 143
المسلك الثاني: الشخصي: استدل به هرقل ملك الروم، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما كتب إليه كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام طلب هرقل من كان هنا من العرب وكان أبو سفيان قد قدم في طائفة من قريش في تجارة إلى غزة فطلبهم وسألهم عن أحوال النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأل أبا سفيان وأمر الباقين إن كذب أن يكذبوه، فصار يجدهم موافقين له في الإخبار، فسألهم: هل كان في آبائه من ملك؟ قالوا: لا. وهل قال هذا القول أحد قبله؟ قالوا: لا.
وسألهم أهو ذو نسب فيكم؟ قالوا: نعم، وسألهم: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقالوا: لا ما جربنا عليه كذبا، وسألهم: هل اتبعه ضعفاء الناس أم أشرافهم؟ فذكروا أن الضعفاء اتبعوه، وسألهم هل يزيدون أم ينقصون؟ فذكروا أنهم يزيدون، وسألهم هل يرجع أحد منهم عن دينه سخطة له بعد أن يدخل فيه، فقالوا: لا، وسألهم: هل قاتلتموه؟ قالوا: نعم، وسألهم عن الحرب بينهم وبينه؟ فقالوا: يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى، وسألهم هل يغدر؟ فذكروا أنه لا يغدر، وسألهم بماذا يأمركم فقالوا: يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا وينهانا عمّا كان يعبد آباؤنا ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة [1]، فهذه أكثر من عشر مسائل.
ثم تبين لهم ما في هذه المسائل من الدلالة وأنه سألهم عن أسباب الكذب وعلاماته فرآها منتفية، وسألهم عن علامات الصدق فوجدها ثابتة، فسألهم هل كان في آبائه من ملك فقالوا: لا، قال: قلت: فلو كان في آبائه ملك لقلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل قال هذا القول فيكم أحد قبله؟ فقلت: لا، فقلت:
لو قال هذا القول أحد قبله لقلت رجل ائتم بقول قيل قبله، ولا ريب أن اتباع الرجل لعادة آبائه واقتدائه بمن كان قبله كثيرا ما يكون في الآدميين، بخلاف الابتداء بقول لم يعرف في تلك الأمة قبله، وطلب أمر لا يناسب حال أهل بيته، فإن هذا قليل في العادة لكنه قد يقع.
ولهذا أردفه بقوله: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فقالوا:
لا، قال: فقد علمت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله، وذلك أن مثل هذا يكون كذبا محضا يكذبه لغير عادة جرت، وهذا لا يفعله إلا من يكون من شأنه أن يكذب، فإذا لم يكن من خلقه الكذب قط بل لم [1] أحرجه البخاري في صحيحه برقم (2940) ومسلم في صحيحه برقم (1773) من حديث أبي سفيان رضي الله عنه.
اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 143