responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 447
كَالْحَائِضِ فِي الرُّخْصَةِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا نَادِرًا، وَكَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحُيَّضَ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدِ، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، أَمَرَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ، وَمَا فِيهِمَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَشُهُودِهِمَا عَرَفَةَ مَعَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا، وَالْجُنُبُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَغْتَسِلَ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ عَلَى الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ. فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنَوْعِهَا، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى غِلَظِ الْمَفْسَدَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحَظْرِ، أَوْ لَا يُنْظَرُ مَعَ ذَلِكَ إلَى الْحَاجَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْإِذْنِ، بَلْ الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْإِيجَابِ.
وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ مَعَهُ الصَّلَاةُ يَجِبُ مَعَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ الصَّلَاةُ إلَّا كَذَلِكَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَعَ تِلْكَ الْأُمُورِ أَخَفُّ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، لَكَانَتْ الصَّلَاةُ مُحَرَّمَةً، وَمَعَ عَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ كَانَتْ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ وَاجِبَةً بِالْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ عُرْيَانًا، وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَمَعَ حُصُولِ النَّجَاسَةِ وَبِدُونِ الْقِرَاءَةِ، وَصَلَاةِ الْفَرْضِ قَاعِدًا أَوْ بِدُونِ إكْمَالِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يَحْرُمُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَيَجِبُ مَعَ الْعَجْزِ، وَكَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ يَحْرُمُ أَكْلُهَا عِنْدَ الْغِنَى عَنْهَا، وَيَجِبُ أَكْلُهَا بِالضَّرُورَةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ مَسْرُوقٌ: مَنْ اُضْطُرَّ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ بِتَرْكِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَكْلِ الْمُبَاحِ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ، بِخِلَافِ الْمُجَاهِدِ بِالنَّفْسِ، وَمَنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ قُتِلَ مُجَاهِدًا فَفِي قَتْلِهِ مَصْلَحَةٌ لِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَتَعْلِيلُ مَنْعِ طَوَافِ الْحَائِضِ بِأَنَّهُ لِأَجْلِ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ، رَأَيْته يُعَلِّلُ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ لَهُ، لَا فَرْضٌ فِيهِ، وَلَا شَرْطٌ لَهُ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُنَاسِبُ الْقَوْلَ بِأَنَّ طَوَافَ الْمُحْدِثِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْهُمَا.

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 447
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست