responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 402
الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ بَطَلَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ. وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ.
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: وَهُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْحَقِيقَةِ: أَنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ الْحُبُوبَ مِنْ الشَّعِيرِ، وَالْبَيْضَاءِ، وَالذُّرَةِ، وَنَحْوِهَا كَانَتْ تُزْرَعُ فِي مَزَارِعِ الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَيُعْلَمُ أَنَّ الدَّوَابَّ إذَا دَاسَتْ فَلَا بُدَّ أَنْ تَرُوثَ وَتَبُولَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُنَجِّسُ الْحُبُوبَ لَحُرِّمَتْ مُطْلَقًا، أَوْ لَوَجَبَ تَنْجِيسُهَا.
وَقَدْ أَسْلَمَتْ الْحِجَازُ، وَالْيَمَنُ وَنَجْدٌ، وَسَائِرُ جَزَائِرِ الْعَرَبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعَثَ إلَيْهِمْ سُعَاتَهُ وَعُمَّالَهُ يَأْخُذُونَ عُشُورَ حُبُوبِهِمْ مِنْ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَتْ سَمْرَاءُ الشَّامِ تُجْلَبُ إلَى الْمَدِينَةِ، فَيَأْكُلُ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى عَهْدِهِ. وَعَامَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ تَمْرٍ وَزَرْعٍ، وَكَانَ يُعْطِي الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقَ شَعِيرٍ مِنْ غَلَّةِ خَيْبَرَ، وَكُلُّ هَذِهِ تُدَاسُ بِالدَّوَابِّ الَّتِي تَرُوثُ وَتَبُولُ عَلَيْهَا، فَلَوْ كَانَتْ تُنَجَّسُ بِذَلِكَ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى أَقَلِّ الْأَحْوَالِ تَطْهِيرَ الْحَبِّ وَغَسْلَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَلَا فُعِلَ عَلَى عَهْدِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْكُمْ بِنَجَاسَتِهَا.
وَلَا يُقَالُ: هُوَ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّ ذَلِكَ الْحَبَّ الَّذِي أَكَلَهُ مِمَّا أَصَابَهُ الْبَوْلُ، وَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ، لِأَنَّا نَقُولُ فَصَاحِبُ الْحَبِّ قَدْ تَيَقَّنَ نَجَاسَةَ بَعْضِ حَبِّهِ، وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِعْمَالُ الْجَمِيعِ، بَلْ الْوَاجِبُ تَطْهِيرُ الْجَمِيعِ، كَمَا إذَا عَلِمَ نَجَاسَةَ بَعْضِ الْبَدَنِ، أَوْ الثَّوْبِ، أَوْ الْأَرْضِ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ مَكَانُ النَّجَاسَةِ غَسَلَ مَا يَتَيَقَّنُ بِهِ غَسْلَهَا. وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ. ثُمَّ اشْتِبَاهُ الطَّاهِرِ بِالنَّجَسِ نَوْعٌ مِنْ اشْتِبَاهِ الطَّعَامِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ، فَكَيْفَ يُبَاحُ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ،؟ فَإِنَّ الْقَائِلَ إمَّا أَنْ يَقُولَ: يَحْرُمُ الْجَمِيعُ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ بِالتَّحَرِّي. فَأَمَّا الْأَكْلُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِلَا تَحَرٍّ فَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا جَوَّزَهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَمْسِكُ بِالْأَصْلِ مَعَ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ.
وَلَا مَحِيصَ عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ إلَّا إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إمَّا أَنْ يُقَالَ بِطَهَارَةِ هَذِهِ الْأَبْوَالِ

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 402
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست