responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 335
الثِّيَابِ، وَظَاهِرُ لَفْظِهِ أَنَّهُ أَذِنَ فِيمَا سِوَاهَا؛ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُ لَا عَمَّا لَا يَلْبَسُ، فَلَوْ لَمْ يُفِدْ كَلَامُهُ الْإِذْنَ فِيمَا سِوَاهَا لَمْ يَكُنْ قَدْ أَجَابَ السَّائِلَ، لَكِنْ كَانَ الْمَلْبُوسُ الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ هَذِهِ الْخَمْسَةَ.
وَالْقَوْمُ لَهُمْ عَقْلٌ وَفِقْهٌ، فَيَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ الْقَمِيصِ وَهُوَ طَاقٌ وَاحِدٌ، فَلَأَنْ يَنْهَى عَنْ الْمُبَطَّنَةِ، وَعَنْ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ، وَعَنْ الْفَرْوَةِ الَّتِي هِيَ كَالْقَمِيصِ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ فِيهَا مَا فِي الْقَمِيصِ وَزِيَادَةٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ فِيهَا مَعَ نَهْيِهِ عَنْ الْقَمِيصِ. وَكَذَلِكَ التُّبَّانُ أَبْلَغُ مِنْ السَّرَاوِيلِ، وَالْعِمَامَةُ تُلْبَسُ فِي الْعَادَةِ فَوْقَ غَيْرِهَا، إمَّا قَلَنْسُوَةً، أَوْ كَلْثَمَةً، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِذَا نَهَى عَنْ الْعِمَامَةِ الَّتِي لَا تُبَاشِرُ الرَّأْسَ فَنَهْيُهُ عَنْ الْقَلَنْسُوَةِ، وَالْكَلْثَمَةِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا يُبَاشِرُ الرَّأْسَ أَوْلَى، فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى تَخْمِيرِ الرَّأْسِ، وَالْمُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ.
وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ - حَدِيثِ الْمُبَاهَاةِ - «إنَّهُ يَدْنُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَيُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِأَهْلِ الْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا، مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ» . وَشُعْثُ الرَّأْسِ وَاغْبِرَارُهُ لَا يَكُونُ مَعَ تَخْمِيرِهِ، فَإِنَّ الْمُخَمَّرَ لَا يُصِيبُهُ الْغُبَارُ، وَلَا يَشْعَثُ بِالشَّمْسِ، وَالرِّيحِ وَغَيْرِهِمَا؛ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ يَحْصُلُ لَهُ نَوْعُ مُتْعَةٍ بِذَلِكَ يُؤْمَرُ بِالْحَلْقِ فَلَا يُقَصِّرُ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْقُعُودِ فِي ظِلٍّ، أَوْ سَقْفٍ أَوْ خَيْمَةٍ، أَوْ شَجَرٍ أَوْ ثَوْبٍ يُظَلُّ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الشُّعْثَ وَلَا الِاغْبِرَارَ، وَلَيْسَ فِيهِ تَخْمِيرُ الرَّأْسِ.
وَإِنَّمَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِيمَنْ يَسْتَظِلُّ بِالْمُحْمَلِ؛ لِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لِلرَّاكِبِ كَمَا تُلَازِمُهُ الْعِمَامَةُ، لَكِنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، فَمَنْ نَهَى عَنْهُ اعْتَبَرَ مُلَازَمَتَهُ لَهُ، وَمَنْ رَخَّصَ فِيهِ اعْتَبَرَ انْفِصَالَهُ عَنْهُ، فَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ الَّذِي لَا يُلَازِمُ، فَهَذَا يُبَاحُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمُتَّصِلُ الْمُلَازِمُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ.

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 335
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست