responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 251
وَافَقَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اخْتِلَاطَ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ يُوجِبُ تَحْرِيمَهُمَا جَمِيعًا. ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ طَرَدُوا ذَلِكَ فِيمَا إذْ كَانَ الْمَاءُ يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحَرُّكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ. قَالُوا: لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَبْلُغُهُ إذَا بَلَغَتْهُ الْحَرَكَةُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ طَرْدُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَ تَنْجِيسُ الْبَحْرِ، وَالْبَحْرُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ، وَلَمْ يَطْرُدُوا ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ عَمِيقًا وَمِسَاحَتُهُ قَلِيلَةً، ثُمَّ إذَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ فَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَطْهُرَ بِنَزْحٍ، فَيَجِبُ طَمُّ الْآبَارِ الْمُتَنَجِّسَةِ، وَطَرَدَ هَذَا الْقِيَاسَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا بِالتَّطْهِيرِ بِالنَّزْحِ اسْتِحْسَانًا، إمَّا بِنَزْحِ الْبِئْرِ كُلِّهَا إذَا كَبِرَ الْحَيَوَانُ أَوْ نَضَخَ، وَإِمَّا بِنَزْحِ بَعْضِهَا إذَا صَغُرَ بِدِلَاءٍ ذَكَرُوا عَدَدَهَا، فَمَا أَمْكَنَ طَرْدُ ذَلِكَ الْقِيَاسِ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ قَالُوا بِطَهَارَةِ مَا فَوْقَ الْقُلَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْفَلَوَاتِ وَالْغُدْرَانِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ صِيَانَتُهَا عَنْ النَّجَاسَةِ، فَجَعَلُوا طَهَارَةَ ذَلِكَ رُخْصَةً، لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: إنَّ الْبَوْلَ، وَالْعَذِرَةَ الرَّطْبَةَ، لَا يَنْجُسُ بِهِمَا، إلَّا مَا أَمْكَنَ نَزْحُهُ، تَرَكَ طَرْدَ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَذَّرُ نَزْحُهُ يَتَعَذَّرُ تَطْهِيرُهُ، فَجَعَلَ تَعَذُّرَ التَّطْهِيرِ مَانِعًا مِنْ التَّنَجُّسِ.
فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَغَيْرُهَا مِنْ مَقَالَاتِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْأَصْلِ تُبَيِّنُ: أَنَّهُ لَمْ يَطْرُدْهُ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَأَنَّ كُلَّهُمْ خَالَفُوا فِيهِ الْقِيَاسَ رُخْصَةً، وَأَبَاحُوا مَا تُخَالِطُهُ النَّجَاسَاتُ مِنْ الْمِيَاهِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ الْخَاصَّةِ
وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: فَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَنْجُسَ الْمَاءُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ، كَمَا قَالَهُ مَنْ قَالَهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ، وَالْعِرَاقِ، وَفُقَهَاءِ الْحَدِيثِ، وَغَيْرِهِمْ: كَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى بْنِ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ، مَعَ قَوْلِهِ إنَّ الْقَلِيلَ يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ، وَأَمَّا ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْمُنَى، وَابْنُ الْمُظَفَّرِ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَبُو نَصْرٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: فَنَصَرُوا هَذَا - أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ - كَالرِّوَايَةِ الْمُوَافِقَةِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ،

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 251
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست